Home Slider

لماذا تأخرت المرأة في مضمار الفكر والمعرفة؟

لماذا تأخرت المرأة في مضمار الفكر والمعرفة؟

فاطمة إحسان 

لماذا تندر الأسماء النسوية اللامعة في حقول العلم والفلسفة والسياسة على امتداد التاريخ؟ هل ندرة أسماء النساء المساهمات في تأسيس القوانين العلمية والنظريات الفلسفية دليل ملموس على ضعف قدرة النساء في تلك المجالات؟ هل كانت هيمنة الرجال منذ البدء في ميادين المعرفة نتيجة تفوق جينيّ ومواهب تخصهم فضلاً عن النساء؟ أسئلة كثيراً ما تتردد، مرددة معها احتمالاتٍ كثيرة جديرة بالبحث. وقد سعت مجموعة من الباحثات تحت مظلة النظرية النسوية (Feminism Theory) للإجابة عنها، منهن غيردا ليرنر التي ألفت واحداً من أهم الكتب في تاريخ النسوية بعنوان “نشأة المجتمع الأبوي”، لتسلط فيه الضوء على السياق التاريخي الذي ساهم في تبلور الفروق النوعية بين الرجال والنساء، والظروف التي أدت إلى وصول كلّ منهما إلى وضعه الاجتماعي اليوم.

إن التاريخ الذي دونه الرجال والذي قُدّم للبشرية على أنه الحقيقة المطلقة، قدم النساء على أنهن هامشيات للحضارة، وضحايا لسيرورة التاريخ، وترى ليرنر أن تصديق ذلك لهو أسوأ بكثير من أن ننسى دورهن على نحو كامل، فجهل النساء بتاريخ نضالهن وإنجازهن الذي أحيل إلى هامش الحضارة، قد وُظّف في إخضاع النساء على مر التاريخ الذي احتكر الرجال تدوينه. قد يقودنا ذلك إلى التساؤل عمّا منع النساء عن الاتحاد، أي تنظيم أنفسهن في وحدة لاستعادة ما فقدنه. تجيب الفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار في كتابها المهم “الجنس الآخر” عن التساؤل بقولها: “إنهن لا يملكن تاريخاً ولا ديناً خاصاً بهن”، لكن غيردا ليرنر وعدداً من الباحثات النسويات يجدن هذا مناقضاً لما أسفرت عنه الأبحاث في تاريخ المرأة، إذ عُثِر على عدد كبير من المصادر الموثقة والمؤولة للتاريخ الخفي للنساء.

لقد حرمت النساء على مدى أكثر من 2500 سنة من التعليم ومن أوضاع تساعدهن على تطوير الفكر التجريدي، هذا النشاط الذي يتطلب اطلاع المفكر على التراث الفكري، وعلى قبول المفكر من قبل مجموعة من المتعلمين والمفكرين الذين يدعمون نشاط المفكر عبر النقد والتفاعل، وقبل ذلك يعتمد هذا على الحصول على وقت خاص لاستيعاب المعرفة ومن ثم العمل على تشكيل تنظيم فكري جديد، ولم تكن النساء قادرات على الاستفادة من أدنى الشروط والظروف السابقة، إذ أن التمييز قد أدى لحرمانهن حتى من الحصول على مدخل للتعليم الجيد، عدا أن النساء من الطبقات كلها، قد امتلكن دوماً وقت فراغ أقل من الرجال، بحكم رعاية الأطفال وخدمة العائلة، في حين كان وقت الرجال المفكرين والدارسين محل احترام وتقدير منذ بداية عصر الفلسفة اليونانية، التقدير الذي لم يكن لوقت المرأة نصيب فيه.

بالرغم من الظروف السيئة التي حالت من دخول النساء لميدان المعرفة والفكر، تمكنت أقلية تمتعت بامتيازات سمحت لهن بالحصول على تعليم كأشقائهن الذكور، ومن بين نساء كهولاء خرجت المثقفات والكاتبات والفنانات، وهنا تنبغي الإشارة إلى أن النساء اللاتي سمح لهن بالدخول إلى دائرة النشاط الفكري لعصرهن، لاسيما في القرن الماضي، كان عليهن أن أن يتعلمن أولاً كيف يفكرن كالرجال، أي بالطريقة المعبر عنها بالتفكير التجريدي، الذي يقتضي تصور نماذج ذهنية والتعميم انطلاقاً منها. إن فكراً كهذا يقتضي إقصاء المشاعر أيضاً، في حين أن النساء يمتلكن معرفة وثيقة بالغموض، بالمشاعر المختلطة بالفكر، بأحكام قيمة تلون المجردات، لكن لأن هذا النمط من التفكير لم يخضع للتجربة والتوثيق اللازم، بحكم هيمنة التفكير التجريدي الذي عمم من قبل الرجال، لم تتعلم النساء بعد كيف يثقن بتجربتهن الخاصة، وبقيمتها المنفردة.

قد يدعونا ذلك للتأمل ملياً في كل حكم وافتراض عن قدرات النساء وإمكاناتهن، سواء كانت هذه الافتراضات من الرجال، أو من النساء أنفسهن، فالجميع أمسى تحت الهيمنة التامة للنظام الأبوي الذي أسر الفكر ضمن أُطُر محددة، لعله من الممكن أن توجد النظرية النسوية بدائل قيمة لها، حيث أن النساء لم يبدأن السباق من النقطة ذاتها، ومازلن يجهلن مدى ما يمكن أن يصلن إليه، لأنهن لم يحظين بفرصة للاعتماد على تلك الإمكانات ببساطة.

اليوم لا يمكننا القول بأن عدد الباحثات في العلوم المختلفة، وعدد المطّلعات والمهتمات بميادين الثقافة والفنون، يقل عن عدد الباحثين والمطلعين من نظرائهن الرجال، وهو مؤشرٌ لا بد من أن يؤخذ بعين الاعتبار إذا ما أردنا إعادة النظر في دور الظروف التاريخية في تشكيل واقع النساء على مر الثقافات والأزمنة، وإذا ما أردنا أن نتجاوز نظرتنا للمرأة على أنها محض ضحية لتلك الظروف، لنبدأ بالبحث وإعادة النظر في ما وسع المرأة أن تقدمه للفكر والمعرفة الإنسانية من منجزات قيمة على صعيديّ الكم والنوع.

 

أضف تعليقاً