حوار

تجربة الاحتضان مشاعر تختصر الأمومة والإنجاب تعيشها أسرة الطفل المحتضن ” حسن “

حوار: رضية الهاشمية

الأمومة تجربة فريدة من نوعها، مليئة بالمواقف والتجارب والذكريات، تخوضها كل أم على طريقتها، وتعيش معاني الحب والسعادة والقلق والخوف المرتبطة بها منذ اليوم الأول لولادة طفلها، تحلم النساء في مختلف بقاع الأرض باللحظة التي تحتضن فيه طفلها، لتنقل له كل مشاعر الدفء والحنان والعاطفة المدفونة في جوفها.

ولكن، قد تمر بعضهن بظروف صحية تجعل من تجربة الأمومة أمراً شبه مستحيلاً، فتلجأ بعض الأسر للخوض في تجربة الإحتضان أو ما يعرف بالتبني في بعض المصطلحات.

تجربة الإحتضان واحدة من التجارب الجميلة التي تخوضها بعض العائلات لعيش لحظات من الأمومة والرعاية الأبوية، حيث يمكن أن تخلق هذه العلاقة مشاعر و روابط قوية بين الزوجين والطفل المحتض، يشعر الطفل خلالها أنه وسط عائلته الحقيقة التي حُرم منها، في جو أسري مفعم بالحب و الترابط.

في عمان يحق للعمانيين فقط احتضان الأطفال وفقًا لقانون الطفل، حيث تنص القائمة التنفيذية لقانون الطفل: “يجب أن تكون الأسرة أو المرأة التي تطلب تبني طفل، عمانية ومسلمة، على أن يتراوح عمرها من 25 و 49 عامًا، مع وجود استثناءات من قبل وكيل الوزارة ، ويجب أن تكون غير مصابة بالأمراض المزمنة والمعدية، ويجب أن تكون قادرة على رعاية الطفل اجتماعيا وتعليميا واقتصاديا. وأن يتم إثبات ذلك من خلال الدراسة التي تقوم بها السلطات. 

مجلة المرأة التقت بإحدى الأسر التي عاشت وخاضت تجربة الاحتضان، للتعرف على تجربة الاحتضان وما هي الدوافع والأسباب وأيضا الصعوبات التي تواجههم خلال هذه التجربة، لما يسهم في توعية المجتمع وتعريفهم بالاحتضان وفكرته:

زينب اللواتية، شابة عمانية متزوجة تعمل في إحدى الشركات الحكومية بقسم المالية في 30 من عمرها، تروي لنا قصة احتضانها للطفل حسن، تقول زينب:

قصتي ليست بالغريبة، فـ أنا في بداية زواجي لم يكن لدي أي فكرة عن الاحتضان، وكنت أنا و زوجي مثل أي زوجين نحلم أن يكون لنا أبناء و أن نكوّن أسرة.

حملت مرات عديدة، ولكن لم يكتب لي الله اكتمال فرحتي بحملي، في إحدى الأيام قابلت أباً محتضناً لطفلين يعمل بنفس المؤسسة التي أعمل بها.

كان الجميع يتحدث عنه، وعن قصة احتضانه، بالنسبة لي، كانت كلمة الاحتضان مجرد كلمة لا أفهم معانيها، وفي يوم من الأيام إلتقيت بذات الشخص، حيث كنت على معرفة سابقة به إذا أنه بمثابة صديق لأخي، تجاذبنا أطراف الحديث، و أخبرني عن قصته وعن الأسباب التي دفعته لاحتضان الأطفال، وجدت أنه أسبابه متقاربة جداً لأسبابنا.

عدت إلى المنزل، و أخبرت زوجي ” شبيب اللواتي” بالقصة، و سألته عن معنى الاحتضان و عن إجراءاته، وعلى حسب فهمي و فهمه أن إجراءات الاحتضان ليست بـ السهلة.

قررنا الذهاب إلى وزارة التنمية الاجتماعية للاستفسار عن الموضوع، ولكن للاسف لم يقتنع زوجي حينها بالفكرة، و أغلقنا باب النقاش،

بعدها بشهرين رزقني ربي بحمل آخر، ولكن لم يُكتب لي اكتماله، وخلال فترة الحمل، كانت تراودني كثيراً فكرة الاحتضان، و كنت قد أخذت عهداً أنه لو اكتمل الحمل أو لم يكتمل، سوف ألجأ للإحتضان، لأنني كنت أشعر براحة كبيرة منذ أن عرفت بفكرة الاحتضان، و كانت أسمع الكثير من القصص عن اسر من داخل وخارج عمان، والذين أثروا جدا على قراري، ومن ضمنهم صفاء الفيلكاوي.

عُدت وناقشت زوجي عن الموضوع للمرة الثانية، ولكن في هذا المرة أقتنع زوجي والحمدلله، و مع القليل من التردد والخوف، كان يفكر كثيراً في نظرة المجتمع وأهلي وأهله حول هذا الموضوع! و هل سوف يستطيع أن يمنحه الحب و الحنان كما لو كان ابنه البيولوجي أم لا ؟

و مع تشجيع الأهل و الأصدقاء باشرنا بـ إجراءات الإحتضان وخلال أقل من 5 شهور تغيرت حياتنا جذرياً. وجاء حسن .

حسن، ذلك الطفل الجميل المبتسم، احتضنته طفلاً صغيراً لا يتجاوز الشهرين من عمره، أضاف لحياتنا شعوراً مختلفاً من الحب والأمان والفرح، الأن يبلغ حسن من العمر سنتان، يشبهني كثيراً، و يشبه والده الذي هو زوجي أيضاً، ومن الناحية الشرعية، قمت أنا وعمته بإرضاعه.

 كيف اتخذتِ قرار الاحتضان؟ هل كنتِ تريدين طفل ذكر منذ البداية؟

مثلما ذكرت سابقاً، كان القرار نابعاً من شوقنا لتكوين عائلة، لذلك توجهنا لوزارة التنمية للاستفسار عن الإجراءات والقوانين وعن كل ما هو مطلوب منا، و ربما  قد تكون هدية لنا من رب العالمين أن نتخذ قراراً مثل هذا لاحتضان طفل، لأنه في اعتقادي أن كل أب و أم محتضن مختلف ومميز عند الله.أما فيما يتعلق بجنس الطفل، كنا قد قررنا سابقاً أنا و زوجي أن لا تكون هناك أي شروط و أننا على استعداد لاستقبال طفلٍ أياً كان جنسه، حتى تلقينا اتصالاً من دار الرعاية لوجود طفل ذكر، فـ وافقنا عليه مباشرة.

لماذا لجئتي لاحتضانه؟

شوقا للامومة ولتكوين أسرة، فأنا أؤمن أن الأمومة والأسرة لا تُختصر بالإنجاب، بل هي إحساس يمكن للمرأة أن تحصل عليه بالإنجاب أو بالاحتضان.

احتضان طفل بمثابة مسؤولية كبيرة لك ولزوجك، ألا تخشين من هذه المسؤولية؟ 

المسؤولية موجودة مع الإنجاب أو الإحتضان، فإذا كانت كل أم بيولوجية قادرة على تحمل هذه المسؤولية فلماذا الأم الحاضنة لا؟ 

وأنا أثق كثيراً بدعم أهلي وزجي، وسوف أكون على مقدار المسؤولية الملقاة في عاتقي كما لو كان لدي طفل بيولوجي .

ما هي الصعوبات التي تواجهكم في تربية حسن؟ 

الحمدلله، حتى اللحظة لم نواجه أي صعوبات أو تحديات في تربيته لانه ما زال في عمر لا يدرك بعد. 

 ألم تخافي من ردّة فعل المقرّبين منك ومن المجتمع؟

قبل الاحتضان نعم، كان الخوف موجود، ولكن بفضل تشجيع أخواني و أخواتي و أهل زوجي تغلبت عليه، أما بالنسبة لنظرة المجتمع، اتفقنا أنا و زوجي أن لا نعطي أي أهمية لأي شخص قد يتدخل في قراراتنا ولله الحمد الكل تقبل الفكرة و برحابة صدر.

متى برأيكم العمر المناسب لإطلاع الطفل عن حقيقته؟ 

من المفترض أن نبدأ في تهيئته عند سن السادسة من عمره، لذلك قمنا أنا و زوجي بشراء بعض الكتب، لنفهم أكثر كيف يمكننا إخباره عن الحقيقة، وكتب أخرى كي يفهم معنى الاحتضان بالأول وعن اقتناعه بالفكرة.

 هل أنتي مستعدة لمواجهة التحديات المستقبلية باعتبارك أنك لست أمه البيولوجية؟ 

نعم مستعدة وبكل حب، لأن ثقتي في تربيتي لـ حسن وسعيي لمنحه الحب والاحترام سوف يطغى على هذا التحدي. 

 ماذا تقولين لأية عائلة تفكّر اليوم باحتضان طفل؟

فرحة العائلة لاتكتمل بالإنجاب فقط، بل بوجود الطفل بينكم سواء عن طريق الإنجاب أو الإحتضان. فأنا قد مررت بتجربة للحمل و الإنجاب ولكن قدر الله أن لا يعيش الطفل حينها، أما الأن و بعد احتضاني لـ حسن، عشت لحظات مليئة بالفرح، نستني كل الآلام التي عانيتها سابقاً بسبب الإجهاض والإنجاب، و أنا أقول لأي أي أسرة تخطط للإحتضان، لو شعرتم بنوع من التردد والخوف تذكروا قول الرسول الكريم ” أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى”.

كلمة توجهينها للمجتمع للوعي بفكرة احتضان طفل وتربيته؟

الطفل المحتضن ليس له ذنب أو خطيئة في هذه الدنيا، هو عطية من عطايا الرحمن، و احتضانه من قبل عائلة بديلة ما هي إلا ميزة من الله للأسرة المحتضنة، لذا وجب علينا وعلى المجتمع أن نتكاتف و أن لا نتردد في أن نرعى أطفال يتامى يحلمون أن يتواجدوا في أسرة تمنحهم الحب و العاطفة، فلماذا التفرقة والتخوف، ونحن أعلم بقيمتها عند الله؟

Categories: حوار

أضف تعليقاً