حوار

سعادة ميثاء المحروقية: الفائزات لا ينسحبن

سعادة ميثاء المحروقية:  الفائزات لا ينسحبن

في هذا الحوار الحصري لمجلة المرأة، تحدثت سعادة ميثاء بنت سيف المحروقية، وكيلة وزارة السياحة، إلى مايانك سينغ عن العديد من المحاور والموضوعات الشخصية، منها الاستراتيجية العمانية للسياحة 2040 وكيف تحقق المرأة التوازن المطلوب بين واجباتها تجاه عملها وتجاه بيتها.

 

هل لك أن تحدثينا عن بداية حياتك العملية؟ في حوار سابق مع المرأة ذكرت أنك كنت تريدين التخصص في مجال الخرائط الكارتوغرافية. ما الذي جعلك تغيرين مسارك؟

عندما أنظر إلى الماضي أرى بأن رحلتي كانت مليئة بالتحديات والإنجازات في نفس الوقت، فقد درست علم إعداد الخرائط (الكارتوجرافي) في كلية بروك في جامعة أكسفورد،  ويعتقد الكثيرون  بأن هذا العلم يشبه إعداد التصاميم أو الأعمال الفنية ولكنه  ولكنه في الحقيقة هو علم قائم بذاته. وعندما عدت انتقلت إلى البحرين وتزوجت، حيث كان زوجي يعمل هناك آنذاك، ومن هنالك بدأت الرحلة حيث حاولت شق طريقي في هذا المجال. كان من الصعب أن أجد الوظيفة التي أحلم بها لأن المجال متخصص جداً والخيارات المتاحة أمامي محدودة، بل لم يكن أمامي سوى العمل في إحدى وحدات المسح التابعة لوزارة الدفاع أو وزارة الإسكان أو وزارة التخطيط. لم أستطع الحصول على الوظيفة المناسبة ولذلك اضطررت إلى البحث عن بديل. كنت شابة ومتحمسة وكنت أعشق السفر والتعرف على ثقافات الدول الأخرى  كما كنت مهتمة بالتعرف على الدور الذي يلعبه الاقتصاد الخليجي في الاقتصاد العالمي. تقدمت للعديد من الوظائف ولكن لم يكن لبعضها أي علاقة بالمجال الذي درسته. وقررت  في النهاية   أن أفسح المجال لفرصة أخرى حتى لو بدأت فيها من الأساس في مجال جديد أو ربما حتى الدراسة للحصول على درجة جديدة. بتوفيق من الله حصلت على وظيفة في طيران الإمارات التي كانت تؤسس مكتباً لها وتعمل على توسيع نشاطاتها في البحرين. فبدأت  العمل في مجال الحجوزات وإصدار التذاكر والمبيعات والتسويق ومن ثم بدأت أتطور شيئا فشيئاً في سلمي الوظيفي  . لم يكن الطريق سهلا بل كان مليئاً بالتحديات وقد قبلت  هذه التحديات ووضعت هدفا لنفسي وحددت  المسار الذي أريد أن أسلكه، وقد ساعدني ذلك كثيرا في الوصول إلى  ما أنا عليه الآن. بالنسبة للمساندة الأسرية أستطيع القول بأنني محظوظة حيث حظيت بدعم أسري لا محدود. وبما أنني امرأة فقد كانت هنالك العديد من التحديات المتعلقة بمجالات العمل، وعلى أية حال وعندما أستعيد شريط الذكريات أشعر كم أنا محظوظة  وذلك بفضل الله تعالى. لا يخفى على أحد أن النساء في منطقتنا العربية  يبادرن ويكافحن في سبيل الاستفادة من الفرص التي تتوّفر لهن، فبالنسبة لي  شخصياً قد حصلت على تعليم  متميّز في أفضل الجامعات بمنح مدفوعة من الحكومة الرشيدة التي آمنت بالمرأة العمانية بأنها شريكة في التنمية و بالتالي عملت على تعليمها وتأهيلها وتمكينها. ولدينا كذلك في السلطنة أفضل البنى الأساسية للأجيال القادمة ولكن الأمر كله يعتمد على استعداد الشخص وعلى رغبته في النجاح وعلى الجهود التي نحن على استعداد لبذلها من أجل النجاح.

 

من العمل في قطاع الطيران إلى وزارة السياحة، هل لك أن تعطينا فكرة عن هذه الرحلة وماذا تعني لك؟

التعليم لا يقف عند حد سواء كنت  تعمل في مجالك أم في مجال آخر. عالميا، هنالك الكثير من التحديات مثل التحدي الذي نواجهه بسبب تراجع أسعار النفط وأثر ذلك على الاقتصاد الوطني وقد عانينا من تراجع  نمو الاقتصاد العالمي قبل عدة سنوات. ولكن ذلك لا يعني أن  هذه عقبات لا يمكن تخطيها، بغض النظر عن المجال الذي تعمل فيه، يجب علينا أن ننظر إلى الحلول الممكنة وأن نسعى لاكتشاف الفرص وأن نفكر بشكل إيجابي، وعلى المستوى الشخصي أعتقد  أن التحديات هي جزء لا يتجزأ من الحياة وأن التحدي جزء أصيل يعطي نكهة ومعنى لحياتنا.  انضمامي للعمل في القطاع الحكومي كان تجربة مثيرة، فبعد أن عملت لمدة عشر سنوات في القطاع الخاص تشرفت بالحصول على ثقة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه، بتعييني وكيلةً لوزارة السياحة، وأستطيع القول بأنها مسؤولية جسيمة وأنا أبذل قصارى جهدي حتى أكون أهلاً لهذه الثقة وأن أحقق الأهداف والآمال المعقودة على هذا القطاع الحيوي.

 

هل لك أن تحدثينا عن الاستراتيجية العمانية للسياحة؟

هنالك الكثير من الدراسات التي تم إجراءها على القطاع السياحي قبل عدة سنوات  والتي هدفت لتحقيق تنويع قاعدة الاقتصاد وزيادة نسبة الإسهام الحكومي. تم اختيار قطاع السياحة كأحد الركائز لهذه الاستراتيجيات والرؤى المستقبلية كالرؤية المستقبلية عمان 2040 لأنه  عالميا ومن بين كل 11 فرصة عمل موجودة، تكون هنالك وظيفة واحدة في قطاع السياحة. كذلك يجب ألا ننسى أن قطاع السياحة لا يعمل بمعزل عن القطاعات الأخرى بل يتأثر بما يحدث في ا فيها، ولكنه يتميز بقدرته على التعافي بشكل سريع وبأنه قطاع يؤثر على  كافة القطاعات في ذات الوقت  كما يتميز القطاع السياحي بالتنوع والقدرة على جذب الأفراد من مختلف الدول. وقد عرضنا الاستراتيجية على مجلس  الدولة ومجلس الشورى وبفضل  الله حصلت على  موافقة مجلس الوزراء، وأوكل إلى وزارة السياحة مهمة وضع الاستراتيجية العمانية للسياحة 2040. قمنا بإعداد الاستراتيجية بشكل مختلف وقررنا وضع وإعداد وطرح مناقصة دولية لمشروع إعداد الاستراتيجية، وقد كانت عملية تجميع وثائق المناقصة تجربة جديدة وخبرة في حد ذاتها. وقد ضم الفريق 28 اختصاصياً، وبمساعدة من منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة  التي  وفرت لنا اثنين من الاستشاريين  اللذان ساهما في إعداد وثائق المناقصة، ونحن ممتنين للمنظمة ونثمّن جهودها في وضع الاستراتيجية بشكلها النهائي المتميّز. كما حصلنا على دعم من المجلس الأعلى للتخطيط ومن القطاع الخاص والأكاديميين بجامعة السلطان قابوس وشركائنا من الجهات الحكومية المختلفة وكلية عمان للسياحة والفنادق  وغيرها، وبتكاتف جهودنا جميعاً  نجحنا  في إعداد وثيقة شاملة.

 تلت ذلك عملية إصدار المناقصة حيث قمنا بطرحها محلياً وإقليمياً وعالمياً لمدة شهرين إلى ثلاثة شهور، وتقدمت إلينا العديد من الجهات بعروضها. قمنا بعد ذلك بتشكيل لجنة لاختيار أفضل العروض وقامت هذه اللجنة باختيار شركة تي إتش أر الإسبانية التي لها خبرة كبيرة في إعداد  الاستراتيجيات السياحية في العديد من  دول العالم.  ومن ثم قمنا بتشكيل العديد من اللجان من أجل الإشراف على  إعداد الاستراتيجية الجديدة ومتابعتها،  وترأس اللجنة الرئيسية   معالي أحمد بن ناصر المحرزي، وزير السياحة، وبعضوية العديد من وكلاء الوزارات المختلفة.  أما أنا بدوري فقد كنت نائبة رئيس هذه اللجنة وترأست أيضا اللجنة التوجيهية. تقسمنا إلى أربع مجموعات وكانت لدينا مجموعة للحكومة وأخرى للتخطيط وأخرى للتعلم وأخرى للقوى العاملة. وضمت كل مجموعة من مجموعات العمل     متخصصين من الوزارات ومن القطاع الخاص ومن الأفراد الذين لهم خبرة في هذا المجال بما في ذلك منظمة السياحة العالمية. وتم عقد أكثر من 500 حوار، وقمنا بتنظيم الكثير من المعارض في مختلف أنحاء السلطنة، بالإضافة إلى الحملات الترويجية.  ولمدة عام كامل، استمرت المراجعات اليومية والأسبوعية والشهرية إلى أن أتممنا وبحمد الله المهمة على أكمل وجه، ومثّل ذلك مصدر فخر بالنسبة لنا. وفي النهاية أصبح لدينا استراتيجية يمكن الاعتماد عليها  كخارطة طريق للقطاع السياحي حتى عام 2040.

هل لك أن تعطينا فكرة عن أهم عناصر الاستراتيجية العمانية للسياحة 2040 وإلام تهدف؟

 إن عملية إعداد خريطة للسياحة تعطينا فكرة عن  توجهنا وعن نظرة العالم إلى عُمان ودورها في خارطة السياحة العالمية،   ونموذج السياحة الذي ستتبعه السلطنة سيهتم بعملية التنمية السياحية المسؤولة والمستدامة حيث سنقوم باستهداف الأسواق السياحية المناسبة والتي سنركز تسويقياً عليها. وبالتأكيد إننا لن  نتمكن من تنفيذ كل هذه الأهداف وحدنا، بل نحتاج إلى تظافر الجهود وإلى مساندة العديد من الجهات والمؤسسات الحكومية والخاصة والمجتمعية، كما نحتاج أيضا إلى تقييم نوعية الاستثمارات المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف. وبما أن أحد أهم أهدافنا الرئيسية هي تنويع مصادر دخل الاقتصاد الوطني فإن  أهم خطوة الآن هي أن نضع مؤشرات  للمعايير الأساسية. ليس هنالك خلاف على وعي الأفراد بأهمية استثمار المقومات السياحية والاستفادة من دور القطاع السياحي النشط في تنمية دخل البلاد، ولكن السؤال هو كم يبلغ عدد هؤلاء الذين يدركون ذلك؟  إن إيجاد زاوية سياحية في مشروع ما يضمن توفير الكثير من الوظائف، وكما  نعلم فإن الحكومة تنفذ العديد من المشاريع الهامة منها مشاريع توسعة المطارات والموانئ والملاحة وزيادة أسطول الطيران العماني وتحويل ميناء السلطان قابوس إلى ميناء سياحي ومشاريع المجمعات السياحية المتكاملة وغيرها من المشروعات التنموية والحضارية ومشروعات النقل والاتصالات ذات الصلة،  حيث تكمن الفكرة  في وضع كافة هذه المشاريع الوطنية في إطار معين، فنحن  نملك البنية الأساسية ولدينا كافة العناصر المستدامة بفضل السياسة المتوازنة التي اتبعتها السلطنة في ظل القيادة الحكيمة من لدن حضرة صاحب الجلالة المفدى أبقاه الله. ولا ننسى كذلك    حضارتنا الضاربة في أعماق التاريخ وهذا كله يضمن نمواً مستداماً في العديد من الولايات والمناطق.  وهنالك العديد من الفرص في مجال السياحة ولكن ذلك كله يعتمد على تكاتف جميع الجهود بين المؤسسات والأفراد وخصوصاً في المجتمعات الحاضنة للسياحة، حيث نقوم بتطوير العديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وأنا سعيدة برؤية الكثير من النساء يعملن بحماس في المشاريع السياحية.

 

على الجانب الشخصي، هل ترين أن  الجدار الحاجز بين   المرأة وطموحاتها لا يزال موجودا؟

الأمر كله يعتمد على من توجه لها السؤال وعلى  المبادئ التي ترتكن لها هذه المرأة.    إن المرأة بالفطرة  تواجه تحديات عديدة فقط لكونها امرأة، منها كيفية الموازنة بين  واجباتها اتجاه عملها وواجباتها اتجاه  أسرتها. ونحن في سلطنة عمان   محظوظات  لأننا نحظى بالدعم المجتمعي والأسري  وكل ما نحن بحاجة إليه هو  أن نفكر بشكل مختلف وأن نتعامل مع التحديات بشكل فاعل وأن  نمتلك القدرة على الابتكار والتميّز. فإذا ما نظرنا إلى ما  يميّز رائدات الأعمال على سبيل المثال هو في الحقيقة مجرد استثمار فرصة معينة والاستفادة منها وتنميتها لتصبح نشاطاً تجارياً قائم ومُبتكر.  وحالياً إننا نواجه العديد من التحديات مع تراجع أسعار النفط ولكن في الوقت ذاته قد تشكل هذه التحديات فرصاً ذهبية للآخرين، وقد رأينا  الكثيرين ممن   نجحوا في كسب الملايين خلال هذه الفترات الصعبة. في بلدنا الغالي، وعلى سبيل المثال وليس الحصر تتوفر للمرأة الفرصة لتكون عضوة في مجلس الشورى وفي المجلس البلدي، وقد حصلت والمرأة على فرصة جيدة للعمل في القطاع الحكومي والقطاع الخاص وتبوأت أعلى المناصب فيها، وإذا ما نظرت إلى قواعد ولوائح العمل سوف تجد أن لدينا أفضل القوانين واللوائح  لتنظيم عمل المرأة منها إجازة الأمومة الطويلة  وغيرها من التسهيلات.

 

في  نهاية حوارنا، نصل إلى النقطة الخاصة بكيفية الموازنة بين واجبات المرأة تجاه عملها وتجاه أفراد أسرتها. كيف نجحت في  تحقيق ذلك؟

 أنا أؤمن بأنه لابد للإنسان أن يحب  عمله وأن يستمتع به لأن ذلك مفتاح لحل الكثير من المشاكل ويساعد على التغلّب على الكثير من التحديات. يجب عليكِ كامرأة أن  تتقبلي أعبائك وأن تتكيفي معها وأن تستمتعي بالجهد الذي تبذلينه لإنجاز ما هو مطلوب منك، وإذا احتجت للمساعدة من أحد لا تترددي في طلبها لأن الدعم الأسري مهم جداً.  إن كل ما عليكِ فعله هو تحديد  أولوياتك، ويجب أن  تكون هناك مرونة في بعض الأولويات، فلا يمكنك القول مثلا خلال الخمس سنوات القادمة ستكون أولوياتي كذا وكذا وتكتفين بذلك، بل  عليكِ أن  تحددي  أهدافكِ وأن تضعي خطة للوصول إلى هذه الأهداف.  كما أنه من الضروري أن ترسمي خارطة للطريق لكي تتمكني من تنفيذ  المهام وتوزيعها. وقد رأيت بنفسي أن الكثير من النساء غير قادرات على توزيع بعض مهامهن على الآخرين، ورأيت الكثيرات يبذلن  جهوداً  جبّارة من أجل  تنفيذ كل المهام بأنفسهن بدون طلب المساعدة، وأستطيع القول بأنه رغم أن هذا الجهد محمود إلا أن النتيجة لن تكون إيجابية في كل  مرة، وسوف يؤدي ذلك  إلى تعرّض المرأة للضغوطات الكثيرة نفسياً واجتماعياً ومهنياً.

 

حققت المرأة العمانية الكثير من الإنجازات في مختلف القطاعات، فما هي الرسالة التي تريدين إيصالها إلى رائدات الأعمال اللواتي يرغبن في تحقيق النجاح في المجالات  التي يعملن بها؟

بالنظر إلى الظروف الحالية المليئة بالتحديات أود أن  أوصل رسالة مفادها أن التحدي الأكبر هو إيجاد فرص عمل للشباب، وعلى الشباب في المُقابل القبول بالتعامل مع هذه التحديات. فأنا شخصيا درست علم الكارتوجرافي وعملت في مجال الطيران وأنا الآن وكيلة لوزارة السياحة وهي وظائف  لا تمت لبعضها البعض بصلة بشكل كلي.  نصيحتي لكل امرأة توّد أن تتميّز في مجال عملها أن  تحدد أهدافها أولاَ، وأن  تتقبّل التحديات التي تعترض طريقها وتكييفها لصالحها ثانياً، ومن ثم تعمل على تحقيق هذه الأهداف  إلى أن تصل إلى ما  تصبو إليه. يجب على المرأة أن تكون على قناعة بأن كل شيء ممكن وأنه ليس هنالك مستحيل، فمثلا من كان يظن بأن الولايات المتحدة سيكون لديها مرشحة قوية للرئاسة؟ ولدينا كذلك رئيسة وزراء بريطانيا ولدينا المستشارة الألمانية. إذا كانت هذه الدول القوية   تعمل على تمكين المرأة  فإن ذلك يعني أن المرأة  عنصر فاعل وأساسي في المسيرة التنموية وأن أبواب الفرص مفتوحة أمامها على مصراعيها،   فكل ما نحتاج إليه هو اقتناص هذه الفرص وعدم التفكير في الجوانب السلبية بل يجب أن نركز على الجانب الإيجابي ونعمل على تدعيمه.   

 

Categories: حوار

أضف تعليقاً