Home Slider

أنا إنسان..ولي عالمي الغريب

“وجوده في حياتي وبراءته وصمته هو الذي يأخذني إلى عالم الرضا، وبريق عينيه الذي يفضي لي: لا تحزني يا أمي فأنا أفهم وأدرك كل ما يدور حولي، إلا أني لا أستطيع الكلام وأعبر عما بداخلي، إلا بالبكاء “.

 عالم منعزل وحياة أخرى بعيدة عن الواقع يعيشها طفل التوحد، وأمهات يتقاسمن الألم مع أبنائهن المصابين بالتوحد علّهن يجدن جرعة أمل تنقل أبناءهن من ذلك العالم إلى الواقع الحقيقي.

 الأطفال المصابون بالتوحد لا يستطيعون التحدث أو التركيز، ويكررون حركات نمطية، ولا يستطيعون التعبير عما بداخلهم إلا بالبكاء، مما يدفع الأمهات إلى احتضانهم بكل حب وأمان حتى يصلن بهم إلى عالم جميل كجمالهم، متحليات بالصبر والعزيمة والإصرار حتى يشاهدن أطفالهن متميزين رغم ما يعانون منه، سواء من عالمهم الداخلي أو من مجتمعهم الذي يصدر أحكاماً قاسية عليهم نتيجة جهلهم بهذا المرض أو عدم تقبلهم له.

لكن (المرأة) اقتربت من الأم التي تحتضن طفلها المتوحد عسى أن تستطيع نقل مثل هذه المشاعر التي تجمعهما …

اعداد: علياء الجردانية

الوحيد في المدارس الحكومية

عفوا أنا إنسان

لي عالمي الغريب

توحدي ليس إعاقتي

هدفي كبير لمن يفهمني

هكذا بدأت أم الخطاب حديثها..

رقية الحديدي -أم لطفل مصاب بالتوحد يبلغ من العمر 14- تقول: «  بدأت أعراض التوحد تظهر منذ عامه الثالث مثل الإنعزالية وعدم الإلتفات لي وبعض السلوكيات  التي لم تمر عليّ من قبل، وكانت جميع مراحل نموه متأخرة مثل المناغاة دون أن يصدر منه كلمات مفهومة، ولم أعي ما به إلا عندما ذهبت يوما إلى تجمع لبعض الجاليات، وكان أحد المتواجدين ينظر له ويلاحظ ما يقوم به وكان يسألني هل يعاني من شيء فقلت له لا، ولكن يتأخر نموه بكل شيء فقال لي هل سمعتِ عن (التوحد)، وهذه الكلمة غريبة عليّ فقلت لا، فطلب مني أن أبحث عنها في جوجل، وهذا ما فعلته وقد اكتشفت عالما كبيراً وواسعاً وأبحاثا تفسر هذه الكلمة، ومعها وجدت تشابه كبير بين الأعراض المذكورة وما بين السلوكيات التي تظهر أمامي كل يوم، بعدها توجهت لإحدى المستشفيات وعرضت حالته على الطبيب، ولكن رد الطبيب أنه لا يعلم شيئاً، ولكنه نصحني بأن يتم تحويل الحالة إلى مستشفى الجامعة قسم-الطب السلوكي، لأنني كنت أتضايق من السلوكيات غير المرغوبة، ورغم ذلك لم يتم التعامل مع ابني على أنه مصاب بالتوحد، لكني لم أتوقف بل تعمقت بالمعرفة وبدأت بالتدريج أطبق بعض التعليمات المذكورة، وأكمل ابني الأربع سنوات وهو يردد كلمات معدودة جدا، ومع الوقت يزيد الفارق بينه وبين الأطفال الآخرين، عدا أنه دائما يعاني من العصبية ويعبر عنها بالصراخ، ورغم ذلك تقبلته بحب ورضيت بقضاء الله، واستمريت بتدريبه وتعليمه لبعض المهارات المهمة في الحياة، والدافع الحقيقي وراء استمراري هو قصص النجاح لبعض الأمهات.

بعد أن أكمل ابني الأربع سنوات فكرت بإدخاله الروضة، وكنت دائما حاضرة معه وبدأت تدريجيا أرى ابني يلعب مع الأطفال حتى من بعيد، لذلك كانت خطوة جيدة، لأنه بدأ الإقتراب من البعض ولكن دائما  ما تكون هناك شكاوي من عصبيته وعضه للأطفال، ومرت مرحلة ودخلت مرحلة أخرى مكملة لما قبل، وبدأت أنا ووالده بمرحلة النطق السليم والتعليم شيئا فشيئا، للعلم أن طفلي لم يلتحق بأي مركز تأهيلي، بل تعاونت أنا وزوجي على تعليمه الكلام وخاصة أن زوجي معلم لغة عربية وكان متفائلا جدا ولم يمل ولم ييأس واستمر مع طفلي خطوة خطوة إلى أن أصبح بعمر 8 سنوات وهو يستطيع تمييز الحروف، وفي عمر ٩ سنوات أصبح يقرأ وبدأت تختفي الكثير من السلوكيات المزعجة.

 علما بأن ابني كان يتردد إلى مدرسة خاصة وهو بعمر 7 سنوات، وتم قبوله بجهود فردية  مع المتابعة بوجودنا معه، كما ألحقناه بقسم صعوبات التعلم، وكانت هذه التجربة تتأرجح ما بين الإخفاق والنجاح، ولكنني تابعت معه إلى أن اكتسب مهارات القراءة والكتابة إلى أن أكمل 10 سنوات، عندها بدأ يتعرض لإنتكاسات مصاحبة للإضطراب السلوكي الذي يعاني منه، وعدم قدرة الطاقم التدريسي التعامل معه زاد الأمر سوءاً، بالإضافة إلى ضعف إدراكه بما يحيطه وقلة تركيزه وكثرة تشتته، وكنا نخشى أن يتم إخراجه من المدرسة بعد أن وصل لمرحلة الصف الخامس، ولكن والده كان أكثر إصرارا وإيمانا على أن ابننا سيتحسن بمواصلة دعمنا له، الآن عمر ابننا ١٤ عاما ويدرس في إحدى المدارس الحكومية بدعم جهود فردية من قبل بعض المدرسين مع وجود بعض التخبطات في طريقة التعليم وإيصال المعلومة لأن ابننا ما زال يعاني من قلة الإدراك والتركيز والتشتت، ورغم كل الصعوبات والتحديات أنا فخورة بإبني وبكل ما قدمته له، ورغم ضعف الإمكانيات المتخصصة المتاحة أصبح يخرج ابني مع أقرانه ويلعب معهم ويحترم من حوله، وأصبح يعتمد على نفسه في أداء كل الوظائف الحيوية جميعها، وأحمد الله أنه الآن في الصف الثامن وهو مبدع ويقرأ ويكتب ولديه مقعد، ولكنه غير مكتمل بسبب عدم وجود كادر متخصص لتعليم هذه الفئة».

تجربة رقية مليئة بالنجاحات والإخفاقات، الجوانب المضيئة كانت بسبب عزيمتها وإصرارها وحبها لإبنها، والجوانب المعتمة كانت بسبب ضعف الدعم المتخصص والمطلوب الذي تحتاج إليه هذه الفئة، وهذا ما لمسناه عندما أشارت إلى:« نفتقد كثيرا إلى المختصين الذين يتمتعون بالجودة والكفاءة في مجال التوحد، وإن وجدت فهي قليلة هذا بالنسبة لمراكز التأهيل، أما بالنسبة للمدارس والدمج فإلى الآن لم يتحقق، ونأمل أن نرى النور فيما يتعلق بعملية الدمج. وأيضا نفتقد إلى التشخيص المبكر بسبب عدم وجود عيادات متخصصة بالتشخيص، وهناك عيادة واحدة في مستشفى الجامعة والمواعيد تتأخر كثيرا قد تصل إلى 6 شهور إلى سنة، وتوجد الآن في مستشفى المسرة عيادة أخرى ولكن المعاناة نفسها تتكرر، الأمر الذي يؤدي إلى التأخر بالتأهيل مما يؤثر سلبا على تحسن حالة طفل التوحد وتطوره».

 

حق التشخيص والتعليم

أم عمر تقص علينا ما عانته قبل ٥ سنوات من اليوم:« أدركت أن ابني عمر مصاب بإضطراب طيف التوحد، الأمر الذي جعل حياتي صعبة جدا لأنه في ذلك الوقت كانت بلادي تفتقد إلى أهم الإحتياجات الأساسية لهذه الفئة وهي حق التشخيص وحق التعليم، لذلك بدأت رحلة البحث عن كل ما يساعد ابني على الخروج من فقاعة التوحد إلى عالمنا، وتعلمت الكثير من الدروس في هذه الرحلة منها  الصبر والتحدي والعزيمة والإرادة وأهم من ذلك كله الرضا، كما تعلمت أن أبحث عن أسباب السعادة لي ولعمر ولإبنتي آمنه.

أنا اليوم أشعر أن عمر هو ما يجلب البركة  لحياتي، كما أني أشعر بأن وجوده هو شهادة امتياز لي تميزني عن الكثير من الأمهات.

وكأي أٌم حلمت أن عمر سيدخل المدرسة مثل أخته وأقرانه، ولكن  لم أجد مدرسة تقبل عمر بسبب تأخره عن بقية الأطفال في النطق وضعفه في بعض المهارات الأخرى، لذلك  اضطررت إلى تسجيله في حضانة مع أطفال ما قبل سن المدرسة وأقل من عمره ليكتسب مهارات الحياة الأساسية كالأكل واستخدام الحمام وارتداء الحذاء والملابس، ثم بفضل الله تم افتتاح مركز خاص للتوحد في مسقط فبادرت بتسجيل عمر فيه ليأخذ جلسات تأهيلية تؤهله للتعايش مع عالمنا.

واصلت مسيرة البحث عن علوم وبرامج واستراتيجيات تساعدني علّ الأخذ بيد طفلي وكانت مسيرة البحث مضنية، إلا أني أدركت بعدها لا شي يساعد طفلي مثل تدريبه وتأهيله بعيدا عن أية عقاقير طيبة أو خرافات تقليدية، وأنا اليوم أجد المتعة في تدريب عمر وتأهيله، والمتعة الأكبر هي وجوده في حياتي وبراءته وصمته الذي يأخذني إلى عالم الرضا، وحديث عينيه الذي يقول لي: لا تحزني يا أمي فأنا أفهم وأدرك كل ما يدور حولي، إلا أني لا أستطيع أن أعبر عما في داخلي، لا أستطيع الكلام وأحيانا كثيرة لا أستطيع أن أعبر عما أريده بأي شي غير البكاء.

رسالتي لكل مربي (أما كان او أباً) وكل عائلة لديها طفل توحد أنتم فعلا رائعون ومميزون لا تحاولوا أن تحاربوا التوحد ولكن كونوا أصدقاء له، استمتعوا بكل لحظة تقضونها مع أطفالكم ولا تنسو نصيبكم من الدنيا».

12 سنة وما زال حبيساً

بدأت معاناة أم يوسف مع التوحد عندما كان عمر طفلها ٥ أشهر، فبعد أن خضع لتطعيم الشهر الخامس كان يبكي بكاءً شديداً، ومستمراً لمدة ثلاثة أيام ومصحوباً بحمى، وبعد اليوم الثالث بدأت التشنجات، تكمل أم يوسف حديثها وتقول:« تنقلنا ما بين مستشفى حكومي وخاص وأجرينا الكثير من الفحوصات، فلا جدوى من إيقاف التشنجات ولا البكاء، لذلك سافرنا إلى دولة مجاورة ولجأنا إلى مركز تخصصي، فكشفت لنا الفحوصات أن التطعيم كان ملوثا!.

فبدأ العلاج بأدوية مهدئة، وكان رأسه متدلي على رقبته ولا يستطيع رفع صدره، وأطرافه مرتخية تارة وتارة أخرى مشدودة، وأصبح شكل جسمه ملتم على بعضه كشكل دائري وهو ما زال في عمر ٥ شهور.

استمر يوسف على هذه الحالة بين علاج طبي وعلاج نبوي، إلى  أن أصبح عمره خمس سنوات وما زال لا يجلس ولا يستطيع الوقوف، فقد كان يتدحرج على الأرض ، وقابليته للأكل ضعيفة جدا ومعدته حساسة والإخراج عنده مستمر يصل لخمس مرات في اليوم.

أخذته لمركز التدخل المبكر، وأيقنت أنني تأخرت بالعلاج الطبيعي المطلوب، لذلك كانت هناك زيارات أسبوعية للمنزل، وطلبت من أخصائي العلاج الطبيعي أن يعلمني ما يقوم به حتى أعمل لإبني جلسات يومية، ولله الحمد بعد أشهر بدأ يجلس وبعدها بدأ يمشي، واﻵن يسابق الريح، وعندما بلغ العمر 6سنوات عرضته على أخصائي واتضح لي  أنه يعاني من توحد شديد، فقد كان كثيرالصراخ، ولا ينام إلا ساعات معدودة، ويعاني من التشنجات من وقت لآخر وعدم التركيز ولا الإنتباه دون أن يدرك ما يحيط به.

يوسف اﻵن  يبلغ من العمر 12 سنة وما زال حبيس التوحد، يقضي صباحه بمركز التوحد المتكامل، مع وجود تحسن بسيط وبطيء نظرا لحالته الشديدة، ولكننا نشكر الله على كل حال».

تقبّل أطفال التوحد

أم أيمن كانت تتأمل بأن ترزق بطفل ذكر ليكون سنداً لإبنتيها الصغيرتين، ولكن طفلها أيمن هو من الذي يحتاج إلى دعمها ومساندته في مواجهة مرض التوحد، وبما أن المعادلة انقلبت إلا أن أم أيمن ما زالت تعتبره هبة من رب العالمين وتعتز به كثيرا، وتعرض علينا حالته فتقول:« منذ ولادة أيمن وهو لديه شغف كبير بمشاهدة التلفاز، وطوال الوقت يجبرنا أن نشغل له التلفاز، وبعد فترة لاحظت عليه علامات غريبة لم ألاحظها مسبقا في بناتي، فعندما كان يأكل ونغير له الصحن لا يرغب بالأكل بعدها، حيث أن لديه حب التعلق بالأشياء، كما أنه لا يشعر بالأمان إلا معي لذلك أكون معه طوال الوقت، وكنت ألاحظ أنه لا يحب التجمعات العائلية وهو في عمر ثمانية أشهر، حيث كان ينزعج كثيرا، ولكننا اعتبرنا أن ذلك طبيعيا فكانت لدينا فكرة بأنه سيكبر وسيكون أفضل.

وعندما بلغ من العمر السنة وثلاثة أشهر سجلته في حضانة بالجامعة، وهناك بدأت ألاحظ الإختلافات بينه وبين أقرانه بنفس عمره، فقد لاحظوا أنه كثيرا ما يحب أن ينعزل عن الآخرين ويبدي انزعاجا من أصوات وبكاء الأطفال الآخرين، وانتباهه ضعيف جدا، ويحب أن يلعب بالأشياء الصغيرة، ويدور في بيئته وعالمه مع حركات نمطية. بعدها بدأت أبحث عن أسباب السلوكيات التي تصدر عنه، وكلما تعمقت أكثر أصادف مصطلح التوحد، وكلما أكتب (ابني لا ينتبه) يظهر لي أن هذه سمة من سمات التوحد.

عندها بدأنا نبحث عن رحلة العلاج وتشخيص المرض، كان ذلك في عام 2012 حيث لم يتوفر آنذاك سوى قسم الطب التطوري والوراثي في مستشفى الجامعة، وتتواجد فيه دكتورة واحدة فقط تشخص حالات التوحد، لذلك حصلنا على موعد ولكن بعد 9 أشهر! فأخذنا أيمن لإحدى الدول المجاورة وخضع لتشخيص مبدئي في إحدى المراكز، وقبل ذلك حاولت البحث عن المراكز الموجودة في العاصمة ولكنني لاحظت أن أسعار الجلسات المسائية غالية، فكنت أفكر بأن أيمن بعمره هذا وبحالته كم جلسة يحتاج وكم من الممكن أن أدفع؟ وكيف أساعده بشكل أفضل؟

وقد خطر في بالي أن أبحث عن برنامج أتدرب عليه ويكون موجها للوالدين، وبالفعل حصلت على برنامج (سن ريز) فجلست أقرأ وأبحث فيه وأطبق كل ما أقرأه على حالة أيمن، وبدأت ألاحظ بأنه يتفاعل ويتجاوب معي، وعلّمت والده الطريقة فصرنا مقتنعين أن هذا البرنامج من الممكن أن يعطي نتيجة طيبة، فكان بيننا تواصل مع المركز الموجود في أمريكا عن طريق الإنترنت.

ولله الحمد أصبحت لدينا قناعة بأن نسافر ونتدرب ولو لفترة بسيطة ونرجع لنطبق كل ما تعلمناه على حالة أيمن، لأن الإستفادة كانت كبيرة.

 كما أود أن أشير إلى أمر آخر وهو رغبتنا بتسجيل أيمن بإحدى المراكز المختصة مع الإستمرار بالجلسات المسائية، لأنه كان عدوانيا جدا وتصدر عنه بعض السلوكيات التي تسبب الأذى لنفسه، ولكن مع التأهيل تغلب أيمن على مشاكل كثيرة، والآن يكمل سنتين ونصف من التأهيل واستجابته أفضل بكثيرعما قبل، فأصبح يستجيب للتعليمات ويحب المركز ويعرف أصدقاءه ويحترمهم، ولكن أيمن الآن أصبح في سن التعليم ويبلغ من العمر ست سنوات ونصف ودائما ما أفكر في مسألة التعليم، وأي من المدارس التي سيلتحق بها، لذلك خطتي القادمة ترتكز على أهمية تعليم أيمن وأسأل الله التوفيق. وهنا تبرز نقطة هامة جدا وهي أنه لابد من توعية المجتمع فيما يتعلق بمسألة تقبل أطفال التوحد، لأن هذا الأمر مهم جدا ويسهل علينا دمج أبنائنا في المجتمع، فعندما يعي المجتمع بماهية التوحد، فإن تعامله وتقبله لسلوكيات أطفال التوحد يصبح أفضل».

أضف تعليقاً