استشارة أسرية

ركائز الزواج: العلاقة الحميمة – المال – السلوك

shutterstock_371684425

المستشارة الدولية : مروى الهواري

عمليا يرتكز أي زواج ، على ثلاث دعائم أساسية،  ( السلوك  – المال – العلاقة الحميمة ) لكل زوج ، ومن ثم ما يفرزه تفاعلهما من معطيات ترسم طبيعة علاقتهما الخاصة وينعكس هذا ليشكل بيئتهما الداخلية ( الأسرة ) وانطباع مجتمعهم عنهما في بيئتهم الخارجية ( الاقرباء والاصدقاء والجيران والزملاء ) أي المجتمع، وتمثل نسبة تصدع واحدة أو أكثر من هذه الدعائم إنذار جاد للزوجين بوجود أزمة حقيقية تهدد الإستقرار وقد تهدم المنزل.

تبدأ المشكلة غالبا مع المحددات التي يعتمدها الفرد في اختيار شريك الحياة فتجد معظم المقبلين على الزواج يحصرون ويضعون أولوية لواحدة فقط من تلكم الركائز كأساس يدور حوله الإختيار، ومن ثم يعطفون على الدعائم الأخرى كأمور ثانوية ولا يولونها الإهتمام الكافي، والحرص المثيل، مما يؤدي لإنهيار المنزل بسرعة أو بذل الكثير من الطاقة والألم كي تستمر الأسرة في ترابطها على حساب سعادة الزوجين، والإحتضار البطيء، ومن ثم موت علاقتهما العاطفية والإبقاء على استمرارية الأسرة بدافع الواجب فقط لا غير .

أولا: المال

  • فتجد البعض يشترط أن يكون الشريك مقتدر ماليا لظنهم أن المال هو من يحقق الإستقرار الإقتصادي ومن ثم يضمن السعادة والإستقرار الأسري ، ورغم أن هذا صحيح بنسبة كبيرة فالمال هام وواحد من ركائز الإستقرار الأساسية للأسرة، إلا أن العول عليه فقط كمحور نجاح أيضا عول خاطئ ، لأن الحقيقة لا يوجد شيء اسمه استقرار اقتصادي، فالحياة متغيرة باستمرار ولا تبقى على حال وجميع تحدياتها تستنفذ من أموالنا و قدراتنا الإقتصادية لحلها، فثري الأمس قد يصبح فقير الغد ، وفقير اليوم قد يصبح ثري الغد، وليس أدل وأبلغ من قول الله تبارك وتعالى :{إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} . فدوام الحال من المحال والتركيز على هذا وحده في اختيار الشريك هو رهان خاسر.

ثانيا: السلوك

  • الزواج هو نموذج مصغر للوطن، أنتِ فيه ملك على زوجك وعائلتك، وأنتِ نفسكِ فيه مملوكة لهم، بيدك صلاحيات قانونية واجتماعية مستقاه من الدين والعرف ومن نفسكِ في شكل رغبات ومحددات وخطوط حمراء، وأنتِ نفسك مملوكة لواجبات واملاءات وضغوطات أخرى قانونية واجتماعية ودينية ورغبات من أسرتك ( الزوج والأبناء ) لذلك كان لنفسك عليكِ حق حسن اختيار سلوك الشريك، وكان لشريكك عليكِ حق الإصلاح من نفسك وتطويرها لتسعده بالطريقة التي يتذوق هو بها المشاعر ويراها تحقق له السعادة. وهنا انبهكِ أن حسن اختيار الشريك ليس يعني أن يكون حسن العبادة فقط كما يذهب البعض، صحيح العبادة هامة وضرورية لكنها تبقى علاقة خاصة بين العبد وربه لا يمكننا أن نعلم صدقها من نسبة النفاق فيهما ولو حرصنا وإنما قصدت التكافؤ كما ظننته في قول الحق تبارك وتعالى: “لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون” المائده 48 ،فالآية الكريمة تشير في رأيي إلى تكافؤ السلوك، وأنا لا أقصد بالتكافؤ هنا المال أو الرتبة الاجتماعية أو اللون أو البلد أو فرق العمر بين الزوجين فهذه كلها أمور نسبية تختلف من شخص إلى آخر تبعاً لرصيده الفكري والعلمي وخلفيته الإجتماعية ورواسب تجاربه الشخصية، وإنما قصدت به تكافؤ توجه السلوك، كأن يتزوج البخيل من امرأة  بخيله أيضا أو اقتصادية حتى لو لم تكن بخيلة هذا تكافؤ أفضل من أن يتزوج البخيل من كريمة، أو أن يتزوج المتحرر من المتحررة بنسبة أفضل له من المتشددة في التزامها، طالما هو توجهه تحرري، وأن يتزوج المتشدد في الدين  من المتشددة، أو الأكثر منه تشدد ، ويتزوج الهادئ الحالم من الرومانسية الهادئة، والشهواني ممن تعير أهمية أكبر للشهوة وهكذا … لتتقارب شريعة ومنهج الزوجين، ولتلتقي وتتضامن ردود أفعالهما وانفعالاتهما تجاه مواقف الحياة المختلفة حلوها ومرها، وتتوحد الرؤى والأهداف المستقبلية لمسيرة الأسرة وتصب في مصب واحد، هذا سيخلق توافق واتفاق نسبي يتطور بتقادم العشرة ويساهم في صقل كل زوج بفكر زوجه، وتمدد إيمان كل زوج منهم بزوجه، ونمو ود ورحمة أكبر بينهما، وسيوحد منهاجهما التربوي اتجاه أبناءهما على صعيدي الإيجابيات والسلبيات التربوية ومن ثم ستقود لمؤسسة زواج ناجحة منظمة متكاثفة ومرنة موحدة الأهداف ما يطيل عمر الزواج ويقوي روابطه، بغض النظر عن كون هذه العائلة تنتهج نهج صائب أو حتى تنتهج نهج خاطئ، هذا هو المقصود بضرورة اختيار زوج على خلق ودين، الخلق المقصود هنا خلق مكافئ لشريعة ومنهج الآخر والله أعلم.  ورغم أن التكافؤ في التوجه السلوكي للزوجين ركيزة أساسية لنجاح الزواج إلا أن وحده لا يكفي، فالوضع الإقتصادي هام جداً ولابد أن يوجد تكافؤ في الوضع الاقتصادي أيضاً، وأن يكون هناك نسبة مقبولة من القدرة على الإنفاق تغطي احتياجات الأسرة وتكفل قدرتها على المواصلة والإستمرارية لا يبعد كثيرا عن الوسط الإقتصادي للزوجة الذي اعتادت عليه في منزل أهلها، كون أن الزوج سيتقبل نفسه سواء أكان ثري أو فقير لأنه من كُلّف من الله بالقوامة ( الرعاية والإنفاق على المرأة) وأخذ عليها درجة التفضيل، وإن عدم استقرار الوضع الإقتصادي المخول به الرجل ، خاصة اذا امتد هذا الوضع الإقتصادي المتأزم زمن طويل دون أن ترى الزوجة سعي حقيقي لزوجها للخروج من هذه الضائقات المالية يخلق الكثير من الحساسيات التي قد تؤدي إلى صدع المنزل وتفكك دعائمه .

 ورغم أن الكثير من الزيجات تبدأ بموارد بسيطة وتستعد فيها الزوجة قابلة وراضية للكفاح والصبر مع زوجها، إلا أن الزوج الذي يركن إلى هذا العهد دون أن يبذل جهد حقيقي لإخراج الأسرة من هذا الضغط المالي يساهم في الإبقاء على عداد انفجار قنبلة صبر الزوجة قائم ومن ثم انفجار المنزل وانهيار العواطف والأسرة،  فلكل شيء قدره منتهية وعلى الرجل أن لا يترك الأمور تصل إلى هذا الخط الأحمر ثم بعد ذلك يصاب بالدهشة والإستغراب.

ثالثا: العلاقة الحميمية

  • تشكل العلاقة الحميمة الجانب الأكبر لمشاكل الزواج ، ليس لأن العلاقة الحميمة في الزواج هي أهم من باقي الركائز؛ وإنما لأنه من أجلها جعل الزواج ، ومن أجلها تكبد الطرفين كل المعوقات والمشقات وتحمل النفقات لبلوغ الإشباع والعفاف . وهي الأهم أيضا لأنها علاقة يفترض أن لا تمارس قبل الزواج ما يجعل لدينا ضغط حاجة وجهل متراكم حولها وأيضا لا نتعلمها فعليا حتى يحدث الزواج غالبا ، ولأن العلاقة الحميمة هي راية الحياة وهي أحد المعجزات الإلاهية لرحلة الروح على الأرض، ولذلك فهي قوة هائلة جبارة تستمد طاقتها وجبروتها من قوة البقاء التي تأمر ببقاء الوجود عبر تعاقب الخليقة.

وإن من أكبر مشاكل الزواج الحميمة هو عزوف الزوجة عن التفاعل مع زوجها أو العكس حتى بعد سنوات طويلة من الممارسة الزوجية الذي يفترض أنها اكسبت الطرفين خبرة ومعرفة كافية، سواء بسبب خوف بعض الزوجات من سوء ظن زوجها فيها على حد قولها أو انخراطها الكامل في حياة ومشاكل واحتياجات الأبناء دون الإنتباه لرغبات زوجها أو لإعتقادها الخاطئ أن لا دور لها في معزوفة التلاحم هذه، وأن شأن زوجها تأتيه إذا أراد فقط مما يؤدي إلى ملل الرجل أو المرأة بسبب عدم الوصول إلى الإشباع، فليست العلاقة الحميمة في الحياة الزوجية برجل يريد أن يتمتع بزوجته عند حاجته إليها وعليها أن تكون دائماً مستعدة عند ندائه وحسب، وليست العلاقة الحميمة بجزء من الثقافة الرجولية وحيدة القيادة، وليس الزواج بأن يأخذ الرجل دون أن يصبر على الزوجة لتأخذ أيضاً، وفي هذا يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة، وليكن بينهما رسول، قيل: ما الرسول يا رسول الله؟ قال: القبلة والكلام”، ما أجمل خلقك يا رسول الله!.  كذلك قوله عليه الصلاة والسلام: “ثلاثة من العجز”، وذكر منها أن يقارب الرجل زوجته فيصيبها قبل أن يحدثها ويؤانسها، ويقضي حاجته منها قبل أن تقضي حاجته منه . وأيضاً قوله عليه الصلاة والسلام: “ولك في جماع زوجتك أجر، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟! فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر”.  ومن الآيات المتعلقة بهذا الأمر قوله تعالى: ‘هن لباس لكم وأنتم لباس لهن’.  العلاقة الحميمة في الزواج هي تفاعل بين رجل وامرأة كلاهما يرغب في أن يشبع من الآخر وأن يشبع الآخر، وهو أحد المناهج والآداب الإسلامية العظيمة ولكن الناس لا يتعلمون فيما شرع الله إلا ما يضيقون به على بعضهم البعض وما يندرج تحت حقوقهم، مهملين البحث عن واجباتهم، ويبحثون عن الآخرة وينسون الدنيا التي هي ممرهم لآخرتهم متناسين تعليم الله لنا أن ندعوه ب “اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الأخرة حسنة ” أن نسعى لنيل الدنيا كما نسعى لنيل الأخرة .

وعلى الناس أن يتزوجوا عن حب وفق حدود الله بعد بحث عن خيارات متكافئة، وبعد تخاطب فكري وارتياح نفسي وتكافؤ سلوكي واجتماعي وقدرة اقتصادية واكتساب المعرفة بالأخر نفسياً وبالإطلاع على الكتب العلمية ونصيحة الأهل والمتخصصين محل الثقة فيما يخص الزواج، فالعلاقة الزوجية  لغة تخاطب وجودية، وفن قراءة المشاعر، من أخص وتفرد ركائزها ركيزة العلاقة الحميمة والعلاقة الحميمة ككل شيء علم ومهارة وفن راقي، وهي في الأرض وفق شريعة الله رسول الحياة على الأرض.  أختم قولي بالتذكير والتأكيد أن الزواج لا ينجح بركيزة واحدة وإنما بعدة ركائز مجتمعة أهمها  ( العلاقة الحميمة – المال – السلوك ) .

أرحب باستشاراتكم على البريد الإلكتروني:

Email: hw3_9000@yahoo.com

مروى الهواري facebook:  Marwa Alhwary

أضف تعليقاً