المجتمع

الجفاف العاطفي يهدد عائلاتنا

 تحقيق: علياء الجردانية

تحتفل الأسرة العربية كل عام بيومها العالمي والذي يصادف تاريخ ٧ ديسمبر، رغم أنها ما زالت تتكابل عليها التحديات في ظل التطور العصري، ولعل أكثر هذه التحديات وضوحاً الجفاف العاطفي الذي بات يسود العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة، ناهيك عن اعتقاد البعض أن اظهار العاطفة يعتبر عيبا ويعكس ضعفاً في الشخصية وخصوصا عند الرجال، لذلك ومع مرور الوقت تبدأ العلاقة تتسم بالجفاف التدريجي فيما بين الزوجين، وتلقائيا ينتقل هذا الجفاف في العاطفة إلى طريقة التعامل مع الأبناء، ومن ثم إلى طريقة تعامل الأبناء لبعضهم البعض، مع أن هذا الأمر يخالف ما علمنا إياه رسولنا الكريم ( صلّ الله عليه وسلم ) والذي دعانا إلى الرأفة والرحمة والتراحم فيما بيننا، مما دفع فريق المرأة إلى طرح الأسئلة التالي:

للأبناء:

متى آخر مرة قلت كلمة(أحبك) لوالديك أو احتضنتهما؟

للأبوين:

متى آخر مرة حضنت ابنك أو ابنتك؟

للزوجين:

متى آخر مرة عبّرت فيها عن حبك لزوجتك ( لزوجك)؟

للأبناء فيما بينهم:

متى آخر مرة قبّلت فيها أختك أو أخيك؟

يحاول هذا التحقيق تقديم أجوبة هذه الأسئلة مع تسليط الضوء على الأسباب والسلبيات التي تنتج عن الجفاف العاطفي، وما هي الحلول المقترحة لحماية كيان الأسر من الجفاف العاطفي…

من يشبع عاطفتي؟

إحدى الفتيات فتحت لنا قلبها وحدثتنا : «أنا فتاة في 18 من العمر والبنت الوحيدة والمدللة في الأسرة، ورغم توفر احتياجاتي المادية ولله الحمد إلا أنني أعاني من جفاف عاطفي وأعيش في غربة تحت مظلة أسرتي، لأني أريد من أشكو إليه، وأريد من يحس بقيمتي ويسمع شجوني وهمومي وآمالي، ولكن أفراد أسرتي ( أمي – أبي – إخوتي الذكور ) لا أستطيع مصارحتهم بعواطفي وطموحاتي بحكم العادات والتقاليد البالية التي تتخذ من العيب نبراسًا لها، حيث أننا لا نتقن فن الحوار ما بين أفراد الأسرة، والعواطف مهمشة ومحطمة ».

عندما كنت صغيرة!

عندما سألت خديجة-عن آخر مرة قالت فيها كلمة(أحبك) لوالدتها أجابت: «عندما كنت صغيرة كنت دائما ما أعبر عن مشاعري تجاه والداي، ولكنني عندما كبرت اعتقدت أنه لا يجوز لي أن أعبر عن عواطفي بهذا الشكل لأني لم أعد صغيرة، فهذا العرف الذي ينتقل إلى ذهنك بشكل تلقائي، وهو ما يسمح لك وأنت صغيرة يجب أن تتجنبيه عندما تكبرين»

المبادرة في اظهار العاطفة

أما سمية فتقول:«صحيح أنني فقدت أبي إلا أننا نعيش في أجواء عائلية تملؤها الحب والود فلا مانع لدينا من حضن أخواننا وأخواتنا وأمنا، فيجب على الشخص أن يبادر في اظهار العاطفة، وربما البعض عندما يكبر يخجل من هذه الأمور ويقول أنه قد كبر عنها، فأقول له بأن كل انسان بحاجة إلى عاطفة يغذي نفسه حتى يكون متوازن نفسيا ولا يلجأ للآخرين”.

العاطفة خارج الأسرة

أم الأحمدين-تقول:« لابد للأم أن تظهر حبها لأبنائها وتشعرهم بالأمان، لأن في هذا الزمن يجب على الأم أن تحصن أبناءها بمشاعر الحب والود التي يجب أن تحيطهم بها، لأنه اذا لم يحصل على تلك المشاعر فإنه سيبحث عنها خارج الأسرة”.

وتكمل:« أظهر عاطفتي لأبنائي سواء أكان بالدعاء أو التقبيل وارسال الهدايا والرسائل لهم، لكي يعلموا بأنني لازلت أحبهم وأقدر مشاعرهم وأكون لهم صديقة وأخت ولست مجرد أم، وأحتويهم عندما يخطئون، حتى لا ينحرفون عن الطريق الصحيح بتأثير من أصدقاء السوء،  وأحرص أن يشعرون بالأمان في المنزل، الأمر الذي سينعكس على أفعالهم في المستقبل، حيث سيتذكرون هذه المشاعر والأحاسيس طوال حياتهم وسيمنحونها لأبنائهم، فدور الأمر يتعزز عندما تغرس في أبنائها المشاعر الطيبة.»

وتختم:«أوجه كلمة لأولياء الأمور وهي أن يحثوا أبناءهم كي لا يبحثوا عن العاطفة خارج اطار العائلة، حتى لا تحدث أمور لا تحمد عقباها ونعض على أصابع الندم، وأعلم أن البعض سيقول نحن لم نتعود على هذا وأهلنا لم يربونا على هذا، لذلك أقول لهؤلاء غيروا من أنفسكم فستحصدون ما زرعتم، فالأبناء نعمة من الله، ويجب أن نحميهم بأي شكل من الأشكال في هذا الزمن».

ثقافة العيب

أم مطر تقول:«أنا مهتمة بالجانب المعنوي ودائما ما أحضن أبنائي وأقول لهم كلاماً طيباً، وأحاول قدر المستطاع أن أكون بجانبهم وأشعرهم بالحنان وخاصة عندما أشعر بأن طفلي يتصرف بعصبية فهو بحاجة إلى أن أحتويه، فهناك أمهات لا يمارسن هذه الأمور مع أبنائهن لسبب مجهول، فأنا لدي أربعة أولاد وكثيرا ما أسمع النساء من حولي يقلن: لا يفترض أن تعاملي أبناءك هكذا!! ويعللن ذلك بأنه ولد وتربيته تختلف عن تربية الفتاة، ويطلبن مني أن أتعامل معه بخشونة وجدية، والحجة أنني أربي رجل!»

وتكمل:«هذا الأمر لا أعريه اهتمام لأنه ليس هناك فرق بين تربية طفل أو طفلة، فكل مرحلة من مراحل عمره تطلب أن أعيش معه تلك الفترة التي يعيشها، من طفل وحتى مراهق، فمن الغير معقول أن أعامل طفل عمره سنة بخشونة بحجة أنني أربي رجل! فهناك سن معين أبدأ أعامله كرجل، فكل مرحلة ولها أسلوبها».

وتؤكد: «للأسف البعض ينظر إلى أن اظهار العاطفة يعتبر عيبآً أو ينقص من هيبة شخصية الفرد، فعلى الأم أن تشعر ابنها بحنانها لأنه شيء جميل، وإذا لم يتعود الأبناء على هذا الجو، فيكون لديه عقدة أو نقص عاطفي، وعندما يصبحون أولياء أمور يصبحون جافين في معاملة أبنائهم».

وتضيف:«أعتقد أن هذه ثقافة، فهو لا يعتبر أسلوب فحسب وإنما أنت تزرع ثقافة في ابنك من خلال اظهار المشاعر والحوار وتعطيه فرصة للتحدث، فسلوكك اليومي مع ابنك منذ بداية عمره إلى أن يكبر يزرع فيه أب صالح في المستقبل، وكذلك عندما يرى الأطفال أباهم يعامل أمهم بأسلوب جاف، فهم تلقائيا سيتصرفون مثله، ناهيك عن ثقافة العيب والتي تتجسد في (عيب أن المرأة تأكل مع الرجال حتى لو كانوا أبناءها أو أخوانها أو حتى زوجها)، فأذكر موقف هنا أن طفل يقول لأمه يجب عليك أن تأكلي مع الشغالة، لأنه من العيب أن تجلسي معنا وتأكلي، أنت امرأة!

فكيف تجرأ الطفل على التحدث مع أمه بهذه الطريقة؟إلا لأنه سمع ذلك من أبيه!

صورة القدوة الحسنة

يعقوب المعولي- يعلّق قائلا :« قال تعالى(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (سورة الروم 21)،  وفي آية أخرى : {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19]، ويقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم : “أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم”، ومن هنا نجد أن ديننا الإسلامي الحنيف يرشد ويوجّه في كثير من المواضع إلى الود واللطف في التعامل بين الزوجين لأنهما نواة الأسرة التي تشكل المجتمع الصالح».

ويكمل:«في الحياة المعاصرة قد يغفل البعض عن هذا الأمر المهم في العلاقة الزوجية بسبب انشغال أحد الطرفين أو كلاهما بالوظيفة والتجارة والخروج مع الأصحاب إضافة إلى وسائل التواصل الإجتماعي عبر الهواتف التي وضعت البعض في عزلة عن أفراد الأسرة الواحدة لا سيما الأزواج!وقد يؤدي تكرار هذا الروتين بشكل يومي بين الأزواج إلى قلة التواصل والود بينهما ويبدأ كل طرف بلوم الآخر عن تقصيره نحوه، ولا شك أن الجفاف العاطفي بين الزوجين قد تكون له أسبابا أخرى كأن يكون أحد الطرفين نشأ في أسرة لم تعتد التلطف في العبارات والبوح عن المشاعر الجميلة لمن حولهم، كما أن مفهوم القوامة عند بعض الأزواج يعني التسلط على زوجته وعدم اتاحة الفرصة لها للتعبير عن رأيها وعدم مشورتها مما يؤدي إلى كثرة النزاع والخصام بينهما».

ويضيف: «وإذا كان الأبناء في البيت يشاهدون هذه العلاقة المتوترة بين الوالدين في جو يسوده التلاسن دون حوار بناء فلا ريب أن تأثير ذلك سيعود سلباً على الأبناء مما قد يؤدي إلى ظهور سلوكيات عدوانية نحو أقرانهم ومن حولهم أو غيرها من المشكلات النفسية، كما أن الأبناء عندما يرون والديهم بهذه الصورة ستهتز لديهم صورة القدوة الحسنة وسيقل احترامهم للوالدين»

لا تقتصر على أيام الطفولة فقط

عذراء البوسعيدية– تقول:«إن تعامل الأخ مع الأخت والعكس يعتمد على شخصية الأخ فبعض الأخوة لا يحبون المزاح مما يؤدي إلى وجود فجوة ومشاكل في أحيان كثيرة، أما اذا اعتاد الأخ على تبادل المزح والفرح فذلك يقرّب المسافات بينه وبين أخته، ولا أجد أن في العناق عيب، فالعناق والمودة بينهم لا تجعل الفتاة تذهب لتبادل مشاعرها مع شخص آخر خارج المنزل».

وتكمل:«برأيي سبب عدم بوح الأخت بحبها لأخيها أو العكس هو انشغال كلاهما بأمور حياته كالدراسة أو الأسرة أو الوظيفة وتقصير كل منهما في اهتمامه ببناء علاقة متينة مع شقيقه أو شقيقته، وهذا الأمر يحدث فجوة في العلاقات الأخوية بين الأشقاء والتي بدورها قد تؤدي إلى نتائج سلبية لكليهما، فالفتاة بطبيعتها الأنثوية تتطلع إلى الاهتمام الكبير والاستماع لمشاكلها من قبل أسرتها وإخوانها، فإذا فقدت ذلك قد يدفعها للتواصل مع أشخاص آخرين من خارج العائلة لكي تعوض النقص العاطفي الذي تفتقده داخل الأسرة».

وتختم:«على الأخوة أن يفصحوا بحبهم ومشاعرهم لأخوانهم ليس فقط في أيام الطفولة وإنما خلال المراحل العمرية المختلفة وذلك لزيادة الألفة والمحبة بين أفراد العائلة، ولتفادي مشكلة الجفاف العاطفي الذي تعاني منه الفتيات في الوقت الراهن وقد يكون الوالدين هم المسؤولون في الدرجة الأولى على غرس تلك المشاعر بين أبنائهم».

اشباع العواطف

أم سعيد تقول:«لو أن الأم تمنح ابنها العاطفة المطلوبة، فإنه لن يلجأ لأناس من خارج الأسرة، وما نلاحظه الآن، أن هناك نسبة من الشباب والفتيات ممن يلجئون إلى تكوين علاقات غير شرعية لاشباع عواطفهم، معتقدين أن هذا الشخص البديل سيغنيهم عن الأم والأب والأخوة، فإذا لم تحتوي الأم طفلها منذ البداية وتنشؤه على الحب والتفاهم والحوار لن يحتاج إلى اللجوء لأشخاص آخرين لأنه ليس بحاجة لذلك.»

الأبناء والإشباع العاطفي

عيير الخصيبية –وهي رئيسة قسم شؤون مدرسات القرآن الكريم بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية لها تعليق حول هذه الظاهرة الاجتماعية حيث تقول :

«التغذية العاطفية منجم ذهب وخير مدرار يحيط بالأبناء من كل جانب لصد شر الأشرار وكيد الفجار وتلك التغذية تفتح لهم أبواب الحياة صافية مبتهجة لبناء شخصيات متزنة.

منذ اللحظات الأولى للولادة والطفل يلوذ بصدر أمه لا ليرتوي من لبنها فحسب وإنما بحثاً عن الأمان والحنان، فاحتضان الأبناء برفق وتقدير مشاعرهم بعمق وإشعارهم أن المنزل هو الملجأ والملاذ وأن صدر الأم لا يعوض وكتف الأب لا يستبدل فتلك علامات مبدئية و قواعد أساسية للإستقرار النفسي وإشباع الدفء العاطفي.

فالأبناء هم السنابل الخضراء والعين الصافية في صحراء حياتنا بل هم الظل الوارف الذي نفيء إليه عند الهجير، فلابد من التفاته حانية من قبل الوالدين لتربية أبنائهم تربية سليمة والإكثار من الدعاء لهم سالكين هدي الأنبياء والمرسلين وقد ورد في القرآن الكريم ما يدل على ذلك قال تعالى:( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) ( الفرقان / 74 )

( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ) ( آل عمران / 38 ).

ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فلنتأمل تعامل إمام المربين وقائد المحبين مع ابنته فاطمة فيما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت 🙁 أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مرحباً بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله)

بكل شوق وحنان وعطف أجلسها بجانبه فأين الآباء من تلك العواطف المحمدية التي غمرت الزهراء حتى اطمأنت نفسها وانشرح صدرها كيف لا والمشاعر ملح الحياة ونكهتها،فما أحوجنا اليوم للسير على نهجه والإقتداء بسنته لإحتواء أبناءنا فإنه يعالج وضعهم بإيجاد الحصانة الذاتية لديهم فلا يتأثرون بما يقابلهم من شهوات وشبهات

وما أجمل قول الشاعر حيث قال:

وإنما أولادنا بيننا **** أكبادنا تمشي على الأرض

لوهبت الريح على بعضهم ***** لامتنعت عيني من الغمض

ولكن لوحظ في الآونة الأخيرة أن الجو الأسري للبيوت المسلمة تفـتــــقد اللمسة الحانية والبسمة الصافية فتباعدت مشاعر الألفة والمحبة فظهر جفاف المشاعر وتوسعت مساحة التصحر العاطفي فقتلت المشاعر عندما قوبلت بجفاء واصطدمت بصخرة صماء فأدى إلى فجوة، بل هـوة عظيمة تسمى (بالفراغ العاطفي).

إن الجوع العاطفي هو أشد ألماً من الجوع الغذائي فسبب خلل في التنشئة الاجتماعية مما يحول دون البوح بالعواطف والمشاعر ويمنع استثمارها في بناء علاقات أسرية جيدة فعادة تموت الكائنات الحية بسبب جفاف الأرض من المياه، فطبيعي جفاف المشاعر أحد معاول هدم العلاقات الاجتماعية، ومما يزيد الطين بلة الإقامة الفندقية في بعض البيوت التي أثمرت ضعف التواصل الاجتماعي وخدرت العواطف التي ينشدها الأبناء بل الأزواج أيضا مما ينبأ بحدوث مشكلة ما مستقبليا !

فبعض الأسر تظن أن دورها اكتمل في تأمين الملابس الثمينة وشراء المركبات الفخمة وتشييد القصور الشامخات وتوفير أدق الطلبات، وفي المقابل أهملت تأمين الجانب العاطفي لأبنائهم بركن مشاعرهم وأحاسيسهم جانباً وجعلتهم يتخبطون في دهاليز الحياة للبحث عن هذه العواطف الذابلة فهل يا ترى من يرويها ويشبعها!»

الجفاف العاطفي له أعراض

أم كلثوم وهي-أخصائية اجتماعية- تقول:«يعتبر الجفاف العاطفي مشكلة تعاني منها الكثير من الأسر في المجتمعات العربية اذ يعرف الجفاف العاطفي بأنه حالة من الركود والملل التي تغلف الجانب العاطفي في الأسرة”.

وتشير إلى أعراض الجفاف العاطفي داخل الأسرة بقولها:« أهم عرض من أعراض هذه الظاهرة هو الصمت الطويل بين أفراد الاسرة، والروتين، والأقوال والأفعال البعيدة عن مشاعر المودة والحب التي من المفترض أن تغمر جميع من فالبيت. والجفاف العاطفي يشير إلى وجود العاطفة ولكنها عاطفة جافة فاقدة للروح والتعبير هذه المشكلة لا تنحصر بين الزوج وزوجته فقط بل بين الأخ واخته وبين الأبناء وآبائهم، فهي قضية موسعة ومع تزايد برامج التواصل الإجتماعي أصبحت أكثر وضوحا لأن كل فرد في العائلة منشغل بعالمه الإفتراضي بينما لا يلقي بالا لمشاعر الآخرين من عائلته الذي لهم حق عليه. ونجد  الأكثرية من الشباب يبخل بالكلمات الجميلة لأخته أو لأمه أو لزوجته !! حيث يضعون الكلمات الجميلة في محور ضيق ولأشخاص معدودين فقط.»

وعن أسباب وجود هذا الجفاف العاطفي ما بين أفراد الأسرة تقول:« إن الجفاف العاطفي في الأسرة مسؤولية مزدوجة بين جميع أفرادها، فمن أسباب الجفاف العاطفي لدى الأب انغماسه في العمل، واهتمامه باللهو مع الأصدقاء على حساب أسرته، وكذلك أيضاً طريقة تنشئة الأم أو الأب  إذ تربيا في بيئة عاطفية جافة لا يمكن أن يوصلان العاطفة والحنان لأسرتهما؛ لأنه قد نشأ على صورة الأب القاسي والأم التي تأمر وتنهى فقط، فلا مجال للحب والعواطف في هذا الأسلوب من التربية، وعندما يكبر الطفل ليصبح أباً وزوجاً هو الآخر فإنه في أغلب الحالات سيطبق الطريقة التي تربى عليها مع زوجته وأبنائه.»

وتتوسع أم كلثوم في حديثها ليشمل طرق علاج الجفاف العاطفي وذلك من خلال قولها:« إذا قلنا أن الجفاف العاطفي مسؤولية مشتركة بين جميع أفراد الأسرة فإن علاجه أيضاً لا يتم إلا باتفاق الجميع على إعادة بناء ما تحطم بينهم من أواصر المودة والرحمة، وهو أمر غير مستحيل، بل من الممكن تحقيقه من خلال القليل من العزيمة والصبر، والكثير من المصارحة وحسن المعاشرة»

هدى الفارسية-وهي أخصائية نفسية تقول:«يتسلل الجفاف العاطفي إلى معظم الأسر في مجتمعاتنا  سارقا السعادة والبهجة من المنزل، فنرى أولياء الأمور يجدون صعوبة في  التعبير عن حبهم وعاطفتهم لأبنائهم خوفا من الدلال الزائد وعدم الطاعة، وبذلك  ينشأ الأبناء في بيئة جافة عاطفيا، وحيث أن  الجفاف العاطفي يجتاح الأسر بصمت ويغرز جذوره عن طريق الروتين اليومي وبالتالي تتحول الخلافات البسيطة إلى مشاكل كبيرة»

وتكمل :«إن  بداية هذا الجفاف العاطفي هو اعتقاد أي فرد من أفراد الأسرة أنه ملزم بأداء مهام بشكل صحيح لنجاح حياة الاسرة، فينتهي المطاف ليصبح كل فرد كأنه موظف يجب عليه تأدية وظيفته فقط، دون الاهتمام بمشاعر أي فرد من أفراد الأسرة، وأن حاجتنا للعاطفة في الحياة الأسرية كمقومات الحياة وحدوث نقص فيها يسبب خلل ويؤثر على حياة الشخص النفسية، الجسدية والإجتماعية. حيث أن نفسية الشخص ستكون متقلبة مزاجيا لوجود نقص لا يدرِك سببه، وبالتالي يؤثر على صحته الجسدية ، ويسبب ارهاق مستمر ويكون عرضة للأمراض المزمنة وللأسف يعتقد أن الحل الأنسب هو الإنفصال والطلاق»

وعند الحديث عن الحلول تقول هدى الفرسية: « يمكن تجنب الوقوع في الجفاف العاطفي في الأسرة من خلال التفكير بواقعية (لابد من أن تكون الأحلام مبنية على أرض الواقع)، والتعبير عن العواطف لأفراد الأسرة، ومراعاة شعور الآخرين وتخصيص وقتا للأنشطة الأسرية،

وعلينا الإدراك أن العاطفة جزء لا يتجزأ من الحياة الأسرية وهي عنصر أساسي لاستمرار الحياة»

Categories: المجتمع, تحقيقات

Tagged as:

أضف تعليقاً