رضوان مبارك الحسني
كاتب عماني
لطالما ارتسمت في خارطتنا الروحية والذهنية والوجدانية* صورة نمطية موسمية باردة لتلك الليالي الشتوية الطويلة التي يعتريها الحب والتعبد و العزلة و الحنين لكل الذكريات… تتناغم مع هبات الرياح ووقع نزول قطرات الغيث و الشعور بالبرد .. و لطالما تطارحنا ذاك التساؤل في أنفسنا غير أنَّنا لا نُتعبها في الإجابة عنه .. فلماذا اتّسمت هذه الليالي بصورةٍ باردةٍ جافَّةٍ مُخيفة؟ .. أَلِأَنَّ ليالي الشتاء طويلة .. وقد خلق الله النهار معاشا و الليل سباتا، فَحَرِيٌّ بالليل أن يطوينا في اشباع ما نحتاجه من السبات و النوم و الراحة .. و لكنه في الشتاء .. يوقظنا بتباريح الهموم و الحنين و الحب .. الحب الذي يُشغلنا على النحو الذي ننساق إليه فـ العابد لربه يثقله هَمُ تحقيق رضا العليّ القدير، و المحبّ يشتد عليه شوقه و وَلَهُهُ لمَن يُحِب .. والمحزون يشغله ما أهمّه من شكواه وصروف دنياه.
وقد يجتمع الفقر و برد الشتاء فـ تتزاحم كل الظروف على فقيرٍ طاويا حاله على حالة الجوع مناشدا ربه وداعيا له بأن يرأفه ..فقد بكى ابن عنين مرّةً حُلكة شتويةٍ دامسةٍ باردة قائلاً:
جاءَ الشِتاءُ وَلَيسَ عِندي فَروَةٌ
وَالقُرُّ خَصمٌ لا يُرَدُّ وَيُدفَعُ
وَإِذا الشِتاءُ أَتى وَما لِيَ فَروَةٌ
أَلفَيتَ كُلَّ تَميمَةٍ لا تَنفَعُ
فَوَحَقَّ مَجدِكَ وَهوَ جَهدُ ألِيَّتي
وَنَداكَ وَهوَ لِكُلِّ خَطبٍ مَدفَعُ
إِنّي أَبيتُ عَلى الطَوى خاوي الحَشا
سَغَباً وَأَحناءُ الضُلوعِ تَقَعقَعُ
ليتماثل لنا مشهد المُعانِي لجفوة ليالي الشتاء و اشتدادها على مَن لا يملك قُوتَه.
ويتردد في خواطرنا الشتاء ببردِهِ القارِصِ الذي نحاول مُجابهته بملابس تقينا ما يلسعنا منه و نطيل الجلوس إلى مواقد النار نستدفئ بها.. و مستذكرين حينها كل ما حدث في ماضينا حُلوَهُ ومُرَّهُ.
كم أتذكر تلك الليالي التي كنا فيها أنا وإخوتي نتازحم فيها على التقرب من “الكانون” الذي كانت تُعده لنا أمي في الشتاء و تجتهد في أن تدثرنا، رعى الله تلك الليالي الخوالي وليتها تعود بكل دفئها وذكرياتها و نقائها وبساطتها بالرغم من شقائها القارص.
—
Categories: النصف الآخر