تدفقت علي الكثير من الرسائل المستفسرة عن قضية الزوجة الثانية في الفترة الأخيرة وبالذات من الأخ ( ق.خ ) الذي أرسل أكثر من رسالة ، يشكو فيها من وضعة ويصف حاجته الماسة إلى زوجة ثانية ويستشيرني في الأمر ، متسلحاً بظروفة التي يعتبرها استثنائية ، وفي الحقيقة هو عازم على الزواج بغض النظر عن نصيحتي . هو فقط ينتظر تمام القدرة المالية على نفقات هذا الزواج أو يستجمع طاقته لمواجهه زوجته والمتضامنين معها . أما القرار فأمره محسوم وعزمة واقع . حتى أمر استشارته لي محسوم ، فإذا أيدته شكر واذا عارضته غالبا تهكم وقال امرأة ومن الطبيعي ان تتحيز للنساء ! هو يرى ككل الرجال ان الشرع معه ، وان ثقافة المجتمع تؤيده ، وان القانون يجيز له وان تأخر زواج الكثير من الفتيات يجعل منه حامي للمجتمع وفارس مغوار أنقذ امرأتين او ربما الشهيد الذي ضحى بنفسه لينقذ رجلين اياً كانت اسانيده ! ربما هو على حق ! . ومع ذلك طالما سُألت فسأجيب بما يمليه عليه معرفتي وضميري .
عزيزي السائل عشت سنوات طويلة من عمري أحتك بالعلاقات الأسرية المختلفة واتأمل وأدرس بيئة وحال الناس في المجتمعات العربية خاصة والاسلامية عامة (علاقة الرجل بالمرأه ، وعلاقة المرأه بالرجل وعلاقة الاباء بأبنائهم والابناء بأبائهم والاخوه والاقارب مع بعضهم ومع المجتمع وما يفرزه سلوكهم فيهم من صفات وما يشكله في أحداث واقعهم . كما سمح لي فضل الله الاطلاع على كم لا بأس به من النزاعات الزوجية والعائلية في المحاكم في الكثير من الدول العربية والاسلامية ومشاهدة حياتهم ومخرجات الجيل الناشئ عنهم للمجتمع في سلوكهم ولغاتهم المنطوقة والجسدية ونظرتهم للوطن وتفاعلهم فيه وهذا كله يجعلني أأكد لك ان الزواج الثاني زواج فاشل غالباً . وتبدأ المشكلة من لفظة غالباً حيث سيظن كل رجل انه استثناء يقع ضمن القله القادرة وهذا ليس صحيح فحتى القله القليله جدا التي يرزقهم الله الحكمة في الفهم والتفهم وقله أقل منهم من يرزقهم الله فوق الفهم والتفهم القدرة على العيش والتعايش في هذه الأجواء الضاغطة هم ايضا يعانون وبشدة . ويخفقون في تحقيق حياة عادلة وفي تحقيق القوامة المطلوبه منه لكل زوجه القوامة التي فسرها الكثير من المفتين بأنها ( القيام على راحت الزوجة واشباع حاجاتها وتوفير متطلباتها المالية والمادية والاجتماعية والعاطفية والجنسية ) من منظور اشباعها هي وليس من منظور اعتقادك وتقديرك انت ان هذا يكفي لها . فقد يكتفي زوج بمعاشرة زوجته مره أو مرتين في الأسبوع بينما هي تحتاج 3 او 4 أو أقل أو أكثر و قد يكون هو سريع في المعاشرة ما يعجزها الاستمتاع فتعوضة في يوم ثاني بينما اذا كان هناك زوجتين الحاجة للمعاشرة كماً وكيفاً وأسلوب ووقتاً يختلف بين الزوجتين وبين ما يرضي ويشبع ويناسب كلا منهما ومايشبعه ويحبه هو كأنسان له كم وكيف واسلوب انسب له أيضا .
ان كل رجل يتزوج من امرأه احدة فقط هو في حقيقة الأمر على أرض الواقع رجل شطر نفسه (6) أشطار ، سدس ماله ووقته وصحته وأعصابه يستنفذ مع الزوجه ، والسدس الثاني من طاقته وماله ووقته وصحته وأعصابه يستهلكها البيت عموما بمتطلبات ايجاره وفواتير الماء والكهرباء والانترنت ومستلزمات نظافة ومعدات تكميلية ، والسدس الثالث يستنفذه العمل الذي منه اسباب عيشه وأسرته يستنفذ صحته ووقته وطاقته في صراعات وتحديات وأكل وشرب ومواصلات والسدس الرابع من صحته وماله ووقته وطاقته واعصابه يستهلكها ابناءه والسدس الخامس يستهلكها منه واجباته تجاه والديه وأخوته وأقاربه وجيرانه ويتضاعف اقاربه واستنفاذهم له في المال والوقت والطاقة والاعصاب بالزيارات وصله الرحم والمناسبات والمشاكل والتحديات بزواجه من زوجته الأولى لان نطاق وعدد أقاربه يتسع ( حماه وحماته وأخوتها واخواتها وابناء عمومتها ) . ويبقى السدس السادس تستنفذه منه ذاته من حاجات خاصة به ورغبات لا يعلمها غيره وتفضيلات ينفق عليه وقت وجهد ومال وطموحات ومخاوف خاصة به تنستفذ من وقته وجهده وطاقته وماله. فإذا تزوج الرجل من زوجة ثانية شطر نفسه ( 14 ) شطرا موزعة كالتالي انشطار بين زوجتين ( 2 ) وانشطاره بين بيتتين (2) وانشطارة بين (4) متطلبات عائلية ( عائلته – عائلة زوجته الأولى – عائلة زوجته الثانية – وصراع الثلاث عائلات على حقوق الاطراف الثلاثة ) . وانشطاره بين ( 2 )ىعمل حيث ان عليه مضاعفة جهوده لتحصيل معيشة كريمة للزوجتين رغم ان عمره واحد ورغم ان عدد ساعات اليوم غير قابلة للتعويض ولا للتوسعة ولا للشراء وانشطاره بين فريقين من الابناء (2 ) يغلب عليهما العداء وانشطرت نفسه (2 ) بين زوجتين واحده تتعاظم في نفسه اقتراب فيبعد عنها محاولا العدل واخرى يتعاظم ابتعاد نفسه عنها يقاوم مشاعره ليبقى بقربها . كلا الزوجتين تريدان حقوق كاملة بلا تنازل واذا تنازلت احداهما يكون التنازل بمقايضة واذا دخل البيت قوبل بقائمة من الشكاوي لانتهاكات الأخرى او بدموع الغيرة من وجود الاخرى كلا الزوجتين تبالغ في استقطاع حقوق ابناءها وشماته الأهل والصديقات وتضيع نفسه في ازدحام المطالب وصراع النساء فلا حب ولا مودة ولارحمة وفوق كل هذا حقوق شرعية حميمة إلزامية يوميا تخلو من الشوق بقدر الفرض تخلو من التفهم والمشاعر بقدر الواجب وعدم التتنازل ايا منهما عن اليوم الخاص بها كي لا تهنأ فيه الاخرى ، يصبح جل حرص واهتمام ومتابعة كل زوجة هو أخبار وافعال الزوجة الثانية . بينما الزوج المسكين ليس سو اداة الصراع .
وتكون النتيجة :
اما يرهق ويتعب الرجل ويقرر التضحية بأحد الزوجتين تاركا المضحى بها لمصير قاسي
او تتغول احد المرأتين في التخلص من الأخرى أمام عجز الرجل وضعفة
او تصر احداهن على الانسحاب من حياته بالطلاق مما يجعله يتفنن في قهرها واذلالها بالاولاد او بالتقطير في الانفاق لان هذا جرح لكرامته ومساس برجولته امام الاخرين
أو يبقى الوضع على ما فيه من ظلم قائم وما في داخله من حمم وصراعات متأجج
وفي كل الاحوال يدفع الثمن الأكبر الابناء على المدى الصغير والمجتمع على المدى البعيد . لهذا لا انصحك بالزوجة الثانية
ان اجمل ما ميز شريعتنا الاسلامية العدل والتدرج في التشريع كي لا يشق على الناس فلم تأتي أوامر الله ونواهيه دفعه واحده مثلا الخمور التي كانت شائعة تدرج أمر تشريعها فبدأت (يا ايها الذين امنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون …) النساء 43 ثم بعد ذلك قول الله عز وجل (يسالونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس واثمهما اكبر من نفعهما ….. ) البقرة 219، ثم ( يا ايها الذين امنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) المائدة 90 ثم النهي ( انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون) المائدة 91
كذلك تحرير العبيد في الاسلام لم يأتي نص في القرآن الكريم يحرر العبيد مره واحدة ولكن معظم الكفارات في الاسلام تبدأ بتحرير رقبة مؤمنه فمن لم يجد فصيام فمن لم يجد ….. وفي هذا التدرج حكمة عظيمة لانه حقق الغاية من تحرير الانسان وحفظ كرامته وجعل هناك فرصة للمجتمع ليعيد بناء مكوناته ويستعيد الناس القائمة تجارتهم على العبيد رؤوس أموالهم واعطاهم فتره زمنية ليغيروا تجارتهم وفق المسار المناسب لكل واحدد منهم واعاد تنظيم المجتمع تحت مسمى العماله فحمى الله بهذا المجتمع من الانهيارات الاقتصادية والاجتماعية وحفظ الحقوق ونظم العلاقات وهذا عطف سريع لقليل من كثير فالحمد لله ان الله ربنا والحمد لله ان القران منهجنا والحمد لله ان الاسلام ديننا
وكذلك الحال بالنسبة للتعدد في الزواج كان السائد في تلك الحقبة من الزمن ان الرجل بقدر قدرته المالية يتزوج ويمتلك النساء فكان للرجل ان يتزوج 8 او 10 او 20 زوجة أو أكثر وان يمتلك مئات النساء وكان اذا توفى رجل تارك زوجه وصغار ورثه يرث الأقوياء النساء ويتولون أمر اليتيم و يأكلون ماله، و لو كان اليتيم بنتا تزوجوها و أكلوا مالها ثم طلقوها و خلوا سبيلها فلا مال تقتات به و لا راغب في نكاحها ينفق عليها و الابتلاء بأمر الأيتام من أكثر الحوادث المبتلى بها بينهم لمكان دوام الحروب و الغزوات و الغارات. فكانت الايه الكريم الرائعة ( وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم الا تعدلوا فواحدة او ما ملكت ايمانكم ذلك ادنى الا تعولوا ) النساء 3 وبهذا نبهت الايه ونظمت اسس التعامل مع البنت اليتيمة وفي نفس الوقت ضيقت العدد المجاز بالزواج الذي اوقفت سقفه عند 4 وقوف مشروط بالعدل والقدرة ثم بعد زمن نزلت الايه الكريمة ( لن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وان تصلحوا وتتقوا فان الله كان غفورا رحيما ) ينفي فيها الله نفيا قاطعا قدرة الرجل على العدل مهما اجتهد ومهما صلح لذلك هو نصح قاطع من خالق أدرى بما خلق عالم بما لا نعلم أكد على عدم قدره الرجل مهما حاول مهما اجتهد على العدل ليكون الاكتفاء بواحدة هو الأصلح له ولزوجه ولابناءه وللمجتمع . ومازال الرجل يزيد ويعجن في الامور المحسومة لا المقصود عدم القدره العاطفية لكن القدره الماديه ممكنة لا في العدل قدر المستطاع لكن الله شرع التعدد
لا أخي الله لم يشرع التعدد وانما نظم شريعة التعدد التي اوجدها الناس بينهم من انفسهم كي يحجم الظلم وبين للناس ان الضرر قائم ولو حرص الرجل على رفع الضرر و لم يحرمه سبحانه وتعالى لوجود استثناءات ستستلزم هذا التعدد كأن تكون الزوجه مريضه مرض يرقدها او عقم الزوجة ولها ان تبقى اذا ارادت او ان تسرح اذا رفضت زوجة ثانية تأتي عليها فالزواج امساك بمعروف أو تسريح بأحسان عليه انصح أخي السائل اذا كان لك من زوجك ذرية بفضل الله وليس بها مرض عضال يقعدها فترميم بيتك أجدى وتديد عواطفك لزوجك أجمل والقيام على اسرتك أحتواء وعطف ومحبه أعظم أسأل الله لي ولكم الحكمة والسداد
Categories: Home Slider, استشارة أسرية