انطلاقاً من حبها لوطنها وشعورها بالمسؤولية تجاهه اجتهدت سعاد بن سعيد الحوسنية ـ المتخصصة في علوم البيئة والطاقة المتجددة ـ في اثبات فعالية المبادرة البيئية التي أطلقتها بالتعاون مع الجهات الحكومية المختصة، تلك المبادرة التي ترتكز على فكرة الاستفادة من النفايات العضوية التي تتلف بالأطنان في انتاج طاقة بديلة تغني الدولة عن استنزاف مصادر الطاقة الحالية.
حول هذه المبادرة والصعوبات التي واجهتها عند طرحها واثبات مدى ملائمة السلطنة لتطبيقها تتحدث سعاد الحوسنية في السطور التالية:
ما فكرة المشروع ولما الطاقة البديلة بالذات ؟
تتلخص فكرة المشروع في أمرين :أولا المساهمة في علاج إحدى مشاكل البيئة المهمة وإيجاد حلول جذرية لها بالاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، وولدت هذه المبادرة أثناء دراستي في الجامعة، عندما لاحظت أن أنظار العالم كله تتوجه نحو إيجاد حلولاً ناجحة لمشاكل البيئة، مع تأكيد صاحب الجلالة حفظه الله على حتمية دعم المشاريع البيئية المبتكرة لإيجاد حلول عصرية وحديثة، ومن خلال قراءتي ومتابعتي وجدت أن من أهم المشكلات البيئية في السلطنة هي تراكم النفايات بمختلف أنواعها ومنها النفايات العضوية، والتي يتم التخلص منها بطرق تقليدية مما يؤدي إلى التسبب بالكثير من التلوث نتيجة عملية التخمر الهوائية للمواد العضوية والتي ينتج عنها انبعاثات غازية سامة، وكذلك تسرب الملوثات السائلة للمياة الجوفية ومصادر المياة العذبة مما يضر بالحياة بشكل عام، ويؤدي إلى تفشي الأمراض، فكان لابد من البحث عن حلول لهذه المشكلة قبل تفاقمها مع مرور الزمن.
أما الأمر الثاني فهو المساهمة في انتاج طاقة متجددة بديلة للنفط والغاز، وهذه كانت من أهم توجهات السلطنة بأمر من جلالته في غضون السنوات العشر الأخيرة حيث كانت الرؤية أن يتم بحلول عام 2020 انتاج 20% من الطاقة من مصادر بديلة متجددة، ومن هنا جاءت فكرة الربط بين علاج مشكلة تراكم النفايات العضوية وأهمية البحث عن طاقة متجددة بديلة، عندها بدأ التفكير بانتاج البيوجاز وفق التكنولوجيا الحديثة، وهذه الفكرة تم تطبيقها في كثير من الدول حول العالم، وفي الحقيقة أن بيئة سلطنة عمان ملائمة جدا لمثل هذه المشاريع.
فقمت بحمدالله وتوفيقه دراسة هذه الفكرة وفق أحدث تكنولوجيا وتم إثبات بشكل عملي أن بعض النفايات العضوية تزيد من إنتاجية الغاز الحيوي بشكل ملفت عند إضافتها إلى نوع نفايات أخرى، فتم مخبريا إثبات أن نفايات المسالخ المركزية كالشحوم مثلا والتي يتم انتاجها بالأطنان سنويا تزيد انتاجية الغاز بنسبة 50 إل 60 % عند إضافتها إلى نوع آخر من النفايات مثل نفايات أسواق الخضار المركزية والتي أيضا يتم إتلافها بآلاف الأطنان سنويا بشكل تقليدي بحت.
هل تم تقبل الفكرة بسهولة؟
لم يكن من السهل تقبل الفكرة بشكل مبدئي، كان البعض يرى أن العمل على هذا الأمر صعب نوعا ما، والبعض الآخر ليس لديه الفكرة الكافية حول أبعاد هذا المشروع ، لكن إيماني بالفكرة جعلني أستمر في البحث عن إمكانية دراستها وتطبيقها عمليا.
ما دور مجلس البحث العلمي في ذلك ؟
بكل تأكيد تم دعم الفكرة من المجلس وتم تمويل دراستها والعمل عليها، ومازال المجلس داعما حتى الآن، و لعل أول من شجعني الدكتور عمار العبيداني مدير قطاع الطاقة والصناعة، فقد كان أول من تبناها وتبنى هذا الطموح وتابعه حتى النهاية.
كيف ترين المرأة في مجال البحث العلمي؟
المرأة عضو فعال وصاحبة مبادرات إبداعية في كل مجالات الحياة، اليوم نلاحظ تفوق المرأة في الكثير من المجالات وما يميز تفوقها هو إحساسها الإبداعي في أي عمل تقوم به، هي تعطي كل طاقاتها ليظهر الأمر بصورة مميزة وراقية، وفي مجال البحث العلمي يوجد بالطبع نساء صاحبات إلهام وأفكار مبتكرة ولهن دور في التنمية العلمية في مجتمعاتهن.
ماذا عن أهلك هل هم من المؤيدين أم المعارضين؟
عائلتي من أول المؤيدين والمشجعين لي، هم دائما يبثون روح الأمل بي ويمدونني بالطاقة الكافية لإكمال طريقي ومواجهة كل العثرات، والدتي مصدر الطاقة والقوة الأول بدعائها المستمر و تشجيعها الدائم.
هل تتوقعين أن مثل هذه الفكرة سترى النور؟
بكل تأكيد والعمل عليها مازال مستمراً، وهناك جهات حكومية تعمل الآن على دراسة الفكرة لغايات تطبيقها، وقد تم استدعائي للاجتماع بالجهات المهتمة لعرض تفاصيل الفكرة، ورغم أن العمل جار إلا أنه سيحتاج وقتاً لتطبيقه، وحتماً في النهاية سيرى النور، وعماننا الحبيبة تستحق المزيد من التقدم في مجال البحوث العلمية ومجال حماية البيئة والطاقة المتجددة.
ماذا عن طموحاتك؟
في مجال البحث العلمي أطمح بمواصلة مسيرة الإنجازات والعمل لأجل عمان والرقي بها على مستوى عالمي، هذا البحث فقط خطوة أولى إلا أني أيضا سأستمر في العمل على بحوث أخرى مشابهة في نفس المجال، وهناك العديد من الأساتذة المؤيدين و الداعمين يعملون على مشاركتي في هذا الأمر بالتوجيه والارشاد، وأنا الآن بصدد تمثيل عمان محلياً ودولياً في مجال البحوث البيئية الإبتكارية، وهناك خطط حالية كثيرة أعمل عليها بكل طاقتي مع بعض المبادرين والمختصين.
أما خارج هذا الإطار فأنا في الحقيقة أعمل على تنمية مهاراتي المختلفة وهواياتي وأنا أجد أن باقي المهارات والهوايات هي الروح لأي عمل ولأي إنجاز ولا أؤيد أبدا التقيد بمجال واحد فقط حتى لا يصيب الحياة نوع من الملل أو الركود، معظم الناجحين يزاولون هواياتهم ومهاراتهم إلى جانب أعمالهم المهنية وهذا هو السر في تقدمهم وعطائهم، لذلك قريبا سيتم اصدار مجموعتي القصصية الأولى والتي توقفت عنها سابقا بسبب الإنشغال بالدراسة الجامعية، لعلي الآن أعطي متنفسا من وقتي لهذه الهواية التي تغذي فكري وروحي وتشعرني حقا بالإنجاز، إضافة إلى ذلك فأنا مهتمة بإعطاء الدروس والمحاضرات في مجال شحذ الهمم والطاقات وتنمية القدرات والمواهب وآمل من هذا النشاط تخريج مجموعة من ذوي أصحاب الموهبة والفكر، والنهوض بإبداعاتهم والمساهمة في خلق جيل منتج ومبدع في كل المجالات.
كلمة للمرأة العمانية؟
كثيرا ما أردد أن الحياة فن، والمرأة تستطيع التفنن في شتى المجالات، كل امرأة عليها أن تثق بما أعطاها الله من سمات ومميزات تجعل منها قادرة على الإبداع، المرأة لديها إحساس خاص في كل عمل تقوم به ولديها القدرة بفضل الله سبحانه على إضفاء لمسات سحرية ليخرج العمل منمقا ومتكاملا، سواء في بيتها وأسرتها أو على نطاق مجتمعها المحلي وحتى في إيصال رسالتها للعالم، على المرأة أن تثق أنها بالفطرة تملك طاقات جبارة للإنتاج والإبداع في كل المجالات مع الحفاظ على حيائها ورسالتها الأهم في الحياة وهي بيتها ، وانطلاقا من الأسرة تستطيع نقل رسالتها للعالم أجمع، وشخصياً تعجبني العبارة التي تقول أن المرأة تهز المهد بيمينها و تحرك العالم بشمالها، فأي طاقة جبارة أودعها الله فيها، إضافة إلى أن امرأة واحدة متعلمة تسهم في إنشاء جيلاً كاملاً متعلماً، وعندما تؤمن المرأة برسالتها وتعبر عن مكنون طاقاتها وتشعر بالمسؤولية التامة في بيتها ومجتمعها حتما سنرى أجيالا مبدعة ومبتكرة.
Categories: عمانيات