بقلم: صبحة بغورة
شاعرة وقاصة وكاتبة صحفية جزائرية
لاشك أن الطفل هو دائما محور حياة والديه ومركز دوران كل جهودهما وعنايتهما به ورعايتهما لهو من الناحية والصحية والجسمية الصحيحة والحالة النفسية السليمة، والأم في الغالب هي الأقرب إليه في معظم الأوقات لذلك فهي الأقدر على حسن فهمه والأسرع في تلبية حاجته لذا فهي الأوسع دراية بطبيعة شخصيته والأكثر ملاحظة لأي تغيرات في طباعه أو تحولات عاداته، ولكن يحدث أن تسيطر فجأة على الطفل مشاعر تخالف تماماً ما كان معهوداً فيه يعبر عنها بتصرفات غريبة لم تكن مألوفة عنه حتى أنها قد تصيب الأم بالصدمة خاصة إذا كانت هي المرة الأولى التي يخرج فيها عن وداعته وهدوئه، إذ يحدث أن ترى الأم طفلها ينفجر باكياً بدون سبب ظاهر أو غاضبا بغير داعي، أو قد يبدو متوتراً خائفاً ثم يميل للجلوس وحيداً أو يردد الكلمة الواحدة في بداية حديثه عدة مرات بصوت عال ثم لا يكمل ما بدأه، أو أن يبدأ في التأتأة في الكلام، ويتصرف بعنف مع الأشياء وسرعان ما يمل ألعابه حتى يمكن أن يكسرها دون أن تجد الأم لذلك سبباً مباشراً يسمح لها بتأويل الأمر أو تقدير ما يشعر به ابنها أو تفسير ما يـأتي به من تصرفات غير سوية، ويكون الانزعاج الأكبر عندما تلاحظ أنه على صغر سنه إلا أنه يتعمد هذه التصرفات بطريقة لافتة ومتكررة وبدون مقدمات سواء بالنهار أو الليل، وأنه يقول لا قبل أن يقول نعم، ولاشك أن مثل هذا الوضع يثير أعصاب الوالدين فتصدر عنهما ردود فعل غاضبة تصل على الأقل إلى نهره وإسكاته بالقوة ومحاولة كبح تصرفاته بإلزامه المكوث في زاوية معينة من المنزل لا يغادرها، وقد يصل الأمر إلى حد العقاب الجسدي. إنها صدمة للأم أن يتعرض طفلها لنوبات غضب حادة في أوقات غير منتظرة والمشكل الكبير أن يتم اعتبار هذه النوبات جزء من حياة الطفل اليومية العادية ولا تدل بالضرورة على وجود أزمة نفسية لديه، بل إن هناك من يعتبر نوبات الغضب جزء بناء في النمو الصحي للطفل التي يمكن أن تستمر ما بين سنتين إلى ثلاث سنوات ومع ذلك غالباً ما لا تتحمل الأم مثل هستيريا هذه النوبات لشدتها وعجزها عن توقيفه أو التحكم فيه بطريقة سلسة وسليمة، والحقيقة أن الحل الوحيد لمثل هذه الحالات يبقى بين أيدي الأولياء ورهن كيفية تعاملهم مع المواقف العصيبة لأطفالهم بطرق تربوية صحيحة، خاصة و أن نوبات الغضب من أغلب الاضطرابات الشائعة التي تظهر لدى الطفل في عامه الأول وتزداد في السنة الثانية من عمره لتختفي نهائيا في سن الرابعة.
تجد طرق تجنب حدوث نوبات غضب الطفل وجهود التعامل معها أهميتها من أنها حالات تهيجية ضارة به ويجب التخفيف منها للمحافظة على سلامته خاصة إذ بادر بالتهديد بإلحاق الضرر بنفسه، وبداية على الأم أن تجيد مساعدة طفلها بمحاولة إقناعه بالتفريق بين الممنوعات والمسموحات بأسلوب هادئ دون الإفراط في تدليله، وبإمكانها أن تفتح مجالا واسعا للحوار معه كسبيل لتهدئته، والشرح له بأن رفع صراخه وبكائه في الأماكن العامة سلوك سئ لا ينبغي القيام به أو تكراره،
تقع على الوالدين مسؤولية كبيرة في عملية التأثير التربوي على الأطفال خاصة في السنوات الأولى قبل دخولهم المدرسة، فالجو الأسري السلبي الذي يكتنفه المشاكل بين الوالدين يؤدي عادة إلى حالات التهور والعدوانية والعصيان لدى الأبناء حيث يشعرون بمستويات عالية من الضيق النفسي والتوتر والعصبية ، والمشاجرة بين الأهل في المنزل والصراخ العالية وتبادل الألفاظ البذيئة أمام مرأى ومسمع الأطفال الصغار له مخاطر سلبية على نفسيتهم حيث يشعرون بعدم الأمان وعدم الراحة والقلق الشديد ، وكذلك الأم الثائرة الغاضبة تعلم أطفالها العصبية والتهور والرعونة بدلا من أن تعلمهم مجابهة الحياة بهدوء وبغير انفعال أو عصبية مبالغ فيها ، لذلك فهي المسؤولة المسؤولية المباشرة عن عدم نمو شخصياتهم اجتماعيا بشكل سليم .
Categories: تربية