“إني أتعلم منك الإصرار”
بقلم..الأستاذة:دنيا سليم
ابتسامتها كانت ترسل لي طاقات إيجابية في حديثي معها ،تلك الكفيفة عن الرؤية،المبصرة الروح، فاجئتني قائلة: “اني اتعلم منك الاصرار” جملة استطاعت أن تصنع ابتسامة إمتنان تعتصرها دمعة في عيني.
عدت بالذاكرة إلى أول يوم لي بالجامعة، كنت قد غفوت عن موضوع الزمان والمكان، فاستغرقت وقتا طويلا في الطريق،لأصل بعد مرور نصف ساعة عن بداية أول محاضرة، جلست في الصف الأخير حتى لا أصنع ازعاجا يخترق نور العلم في هذه القاعة، شد انتباهي أحد الطلاب يجلس على كرسي متحرك، لم أستطع بداية أن أصنف تلك النظرة التي كانت تسترق مني لتحط عليه..كنت أحاول ألا أشتت ذهني كثيرا، وأركز فقط مع الدكتور.
انتهت المحاضرة، وهم الجميع بالانصراف، لكني انتظرت؛ لأبلغ هذا الدكتور أني انتصرت في التحدي، تقدمت نحوه، وكانت لا تزال في الصف الأمامي طالبتين، اقتربت منهما بداية ؛ لأسلم عليهما ، فتفاجئت بكونهما كفيفتان، كنت انظر إلى ماذا وماذا يدور بذهني لم أعيي بعد، كانتا بشوشتان للغاية، تابعت طريقي وواجهت الدكتور بسؤال: “هل تذكرني؟” أجاب: “نعم”، فبادرته بثقة واعتزاز ، لقد أبلغتك اني سأتجاوز التحديات والشروط وسأدرس هنا، وها أنا أمامك اليوم.
عندما غادرت القاعة، صادفت أمامي فتاة تنتقل بالكرسي المتحرك، وإعاقة واضحة، لا أطراف أصابع تقلب بها صفحات كتاب لتقرأه، أو تمسك بها قلم لتكتب، أو تضغط بها أزرار كمبيوتر لتنشيء بحثا، أو..أو..، ولا تملك أقداما تتسارع بها الى المحاضرات قبل بداية وقتها، وقفت بجوارها وكم كانت مقبلة على الحياة بروح مرحة، بعد أن ابتعدت انتشرت سيول من الدموع على ملامحي المشدودة، أجهشت بالبكاء بمجرد وصولي إلى سيارتي ، شعرت بالأسى وشعرت بالأسى وشعرت بالأسى على نفسي، بكيت بحرقة كطفل لا يبالي بمن سيراه وهو يبكي، ومازلت أشعر بالأسى.
عندما جاءتني بشرى قبولي النهائي بالجامعة، وعرف من يعرفني بهذا الخبر المفرح، وضعوني في دائرة من التساؤلات: كيف ستعيشين بعيداً عن أمك وأخواتك؟، هل ستوفقين بين دراستك وأولادك وبيتك؟، من سيساعدك؟، وأسئلة كثيرة بأدوات استفهام متنوعة، ولم يكن أحد يعلم أني أيضا انتظر مولودا جديدا حينها…
في أول يوم لي بالجامعة شعرت بالأسى على نفسي، ما هي ظروفي أمام ظروف زملائي الذين رأيتهم؟؟، لاشيء،لا شيء..وعرفت في وقت آخر أنهم مثابرون ومتميزون، فما هي ظروفي حتى لا أتميز؟
“إني أتعلم منك الاصرار”..ليتك تعلمين أنك أنتي من علمتني الإصرار
Categories: أكثر من امرأة