Home Slider

التسوق، مطلب اجتماعي أم حافز نفسي؟

لا أكاد أضع عيني على صفحة رقمية دون أن تصادفني إعلانات عن خدمة أو منتج ما، لا أعبر شارعاً إلا و أجد الإعلانات تحاصري ناظريّ، كما لا أظن أحداً لا يلحظ هذه الكثافة الخانقة مهما بلغ ضعف ملاحظته. ما يلفتني أكثر من الاعلانات نفسها هو تأثيرها النفسي الذي بتّ أتعجب من سرعته و عمقه أينما اتجهت، و لا أستثني نفسي من وقوع هذا التأثير علي أيضاً، لكن لا بد من التوقف من حين لآخر لمراجعة الأولويات و إعادة التفكير في سلوك التسوق كما هو الحال مع أي سلوك آخر.

إعلام و مشاهير:

نعرف إعلانات الشوارع و إعلانات وسائل الإعلام التقليدية منذ عهدٍ ليس بقريب، لذا سأتجاوزها للحديث عن وسائل الإعلام الحديثة، كشبكات التواصل الاجتماعي و دورها المفتاحي في ثقافة الشراء و سيكولوجية التسوق.

أفرزت شبكات التواصل الاجتماعي عدداً ضخماً من الشخصيات المؤثرة في مجالات كثيرة أخشى أن أكثرها كان في مجالات الأزياء و الأطعمة و بقية المجالات الاستهلاكية. لا يقف الأمر عند هذا الحد بالطبع، فكلنا نحتاج إلى إشارات إلهام صغيرة من حين لآخر فيما يتعلق بمظهرنا أو بنمط الحياة الذي نفضله، لكن ما إن تتحول رسائل هذه الشخصيات إلى فقرات إعلانية متصلة (مدفوعة الأجر بالطبع) حتى يصبح سلوكنا كأفراد -من مستويات اقتصادية متفاوتة- في التسوق على المحك، و لذلك لسببين أراهما مهمين: الأول أن الشخصيات التي بنت شهرتها على وسائل التواصل الاجتماعي غالباً ما تكون شخصيات أقرب لجمهور المتابعين من مشاهير السينما و التلفاز، نظراً لكونها أقرب من الناحية الاجتماعية لشريحة أوسع من الجمهور، و لكونها تتفاعل معهم على نحو أكثر استمرارية و استجابة. السبب الثاني و الأهم يتمثل في اللغة التي يستخدمها مشاهير التواصل الاجتماعي في التأثير، إذ كثيراً ما يروج أحدهم لمنتج ما بصورة ضمنية، فيقول بأنه استخدمه مثلاً و فوجئ بالآثار الرائعة لهذا المنتج، بأسلوب مُطعّم بكلمات تصعب مقاومة تأثيرها!

دوافع نفسية:

“أونيومانيا” هو مصطلح يصف الرغبة القهرية للتسوق، ويشار إليه عادة باسم التسوق القهري، أو إدمان التسوق، و فيما الحالات المتعلقة بضعف السيطرة على الدوافع و الرغبات، يمكننا رصد الدوافع النفسية الآتية، التي تتسبب غالباً في الإدمان على التسوق أو الإكثار منه:

1- إشباع رغبة “التملّك”:

 كثيراً ما يشعر الإنسان بنوع من تحقيق القيمة و توكيد الذات من خلال السعي لامتلاك أشياء ثمينة، تعكس رغبته في أن يشعر بارتفاع قيمته و إن كان ذلك عبر سلوك لا يحقق هذا الهدف في الحقيقة كسلوك التسوّق.

2- تخفيف الضغط و التوتر:

في كثير من الأحيان يكون العثور على ثوب جديد بمثابة مكافأة صغيرة أو تعويض عن الشعور بالتوتر أو الألم، و لعل مجرد المشي و الحركة التي يتضمنها الخروج للتسوق كفيلة بإفراز هرمون “الإندورفين” المسؤول عن تخفيف الألم في جسم الإنسان.

3- رفع الحالة المزاجية:

وفقاً لإحصائيات مركز هاريس التفاعلي (مؤسسة متخصصة في أبحاث السوق):  تقوم 31٪ من النساء بالتسوق لتحسين أمزجتهن بالدرجة الأولى، و 53٪ منهن يعتبرن التسوق وسيلة للاحتفال بشيء ما. من الواضح أن التسوق يرتبط بمشاعر جيدة، لكن التكلفة المادية لذلك قد تكون سبباً للشعور بالندم في وقت لاحق.

4- التخلص من الملل:

في المدن حيث لا خيارات كثيرة فيما يتعلق بالتنزه، تكون المجمعات التجارية من الوجهات الأولى في أوقات الفراغ و الإجازات الأسبوعية، لذا لا عجب من أن نقوم بالتسوق أحياناً بدافع التخلص من الملل و حسب، أو أن نشتري دون وعي لمجرد أننا نتجول وسط غابة من العلامات التجارية الجذابة.

اقتراحات ملهمة:

يقترح الاختصاصيون جملة من الحلول التي من شأنها المساعدة على إبقاء سلوك التسوق تحت السيطرة بعيداً عن الهوس والمبالغة منها الآتي:

1- رفع الوعي الفردي فيما يتعلق بأساليب التسويق الحديثة للشركات التجارية، التي كثيراً ما تقنع المستهلك بشراء ما لا يلزمه، أو بدفع مبالغ طائلة مقابل منتجات غير ضرورية.

2- إلغاء الاشتراك بالقوائم البريدية للشركات التجارية، و حسابات شبكات التواصل الاجتماعي المتعلقة بها إذا لم تكن ضرورية، و استبدال ذلك بالدخول إلى مواقع هذه الشركات أو حساباتها في حال الحاجة لمنتج معين و حسب.

3- إذا وجدت يدك تتسلل إلى بطاقة الائتمان خاصتك، لتحصل على شعور إيجابي ما، بوسعك التفكير في نشاط آخر يحقق لك الشعور ذاته، كالخروج للمشي أو ممارسة اليوغا، الجلوس مع الأصدقاء، قراءة كتاب ممتع، أو مشاهدة فيلم لطيف.

ggggggg111

للكاتبة : فاطمة إحسان

مختصة في علم النفس

 

أضف تعليقاً